وكلم عُرْوَة بن الزبير عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُم فِي الطّواف بِشَيْء من خطْبَة ابْنَته فَلم يجبهُ فَلَمَّا لقِيه بعد ذَلِك قَالَ إِنَّا كُنَّا نتراءى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الطّواف بَين أَعيننَا فَذَاك الَّذِي مَنَعَنِي من جوابك
وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أفضل إِيمَان العَبْد أَن يعلم أَن الله مَعَه حَيْثُ مَا كَانَ
وَهَذَا علم الْيَقِين لَا علم الْقلب وَلَا اللِّسَان فالموحدون علمُوا أَن الله تَعَالَى مَعَهم وقررهم إِيمَانهم بِهِ ثمَّ لم يعملوا فِي قُلُوبهم وَرَاء ذَلِك شَيْئا والمقتصدون أعْطوا علم الْإِنَابَة وَهُوَ النُّور الَّذِي إِذا أناب أعطي فَوجدَ المخافة فقيده ذَلِك النُّور الَّذِي ورد على قلبه عَمَّا كره الله تَعَالَى ووقف بِهِ على سَبِيل الاسْتقَامَة والمقربون من أعطي الْيَقِين وانكشف الغطاء عَن قلبه بنوره وَهُوَ نور الْأَنْوَار فَنظر إِلَى جلال الله تَعَالَى وعظمته فاندست أعضاؤه بَعْضهَا فِي بعض وَصَارَت نَفسه الشهوانية كشجرة أَصَابَهَا الْحَرِيق فيبست حَتَّى صَارَت جذعا وَصَارَت أَرْكَانه كوعاء فِيهِ حبوب عذرا وضعفا وعجزا ثمَّ أحله مرتبَة من مراتبه بَين يَدَيْهِ فأحيا قلبه فقوي بِاللَّه تَعَالَى وخبت شهواته وَرطب جسده وانبسطت جوارحه وانفتقت أعضاؤه وعاش فِي غذائه ونجواه وبشراه بَقِيَّة محياه مراقبا لأموره كَأَنَّهُ يرَاهُ فحياؤه مِنْهُ أَكثر من حَيَاء ملاء عَظِيم ضمهم اشراف الْمُسلمين وهيبته لَهُ أَكثر من هيبته من ملك من مُلُوك الدُّنْيَا بل يدق حياؤهم فِي جنب حيائه مِنْهُ وهيبته لذَلِك الْملك فِي جنب هيبته لَهُ وَهُوَ الَّذِي قد علم حق الْحق أَن الله تَعَالَى مَعَه فلولا أَن الله تَعَالَى يلطف لَهُ حَتَّى ينبسط مِنْهُ ويؤنسه ويقويه لَا حتمال ذَلِك لما قدر عَلَيْهِ وَلَا صلح للمعاش وَالْعشرَة