وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن النَّار تنزوي وتنقبض عِنْد وُرُود الْمُؤمن وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَجْعَل الله النَّار على الْمُؤمن بردا وَسلَامًا كَمَا كَانَت على إِبْرَاهِيم
فَإِذا كَانَت النَّار تخمد لممر عبد فَكيف تجترىء الأَرْض على أكله وَرُوِيَ فِي الْخَبَر أَن الشُّهَدَاء لَا تأكلهم الأَرْض وَرُوِيَ أَن من أذن سبع سِنِين لم يدود فِي قَبره
فَإِذا كَانَ الشَّهِيد والمؤذن قد امتنعا من الأَرْض بحالتيهما فحالة الْأَنْبِيَاء وَالصديقين والأولياء عَلَيْهِم السَّلَام أرفع من هَذَا وَأجل فانهم هم الشُّهَدَاء أَيَّام الْحَيَاة والدعاة إِلَى الله تَعَالَى على بَصِيرَة
وروى جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ لما أَرَادَ مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ أَن يجْرِي الْعين إِلَى جنب أحد عِنْد قُبُور الشُّهَدَاء أَمر مناديا فنادي فيهم من كَانَ لَهُ قَتِيل فَليخْرجْ إِلَيْهِ قَالَ جَابر فخرجنا إِلَيْهِم فوجدناهم رطابا فرأيتهم ينثون على رِقَاب الرِّجَال كَأَنَّهُمْ رجال نوم فأصابت المسحاة قدم حَمْزَة بن عبد الْمطلب رَضِي الله عَنهُ فثارت إصبعه فانبعث دَمًا
ثمَّ الْأَوْلِيَاء على ثَلَاث مَرَاتِب مِنْهُم من أكل بِاللَّه تَعَالَى وَهُوَ الأرفع وَهُوَ من كَانَ فِي قَبضته قد انْفَرد بِهِ وخلص قلبه إِلَى وحدانيته فبه يقوم وَبِه يقْعد وَبِه ينْطق على مَا أَشَارَ إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِ فَإِذا أَحْبَبْت عَبدِي فَكنت سَمعه وبصره الحَدِيث
وَمِنْهُم من أكل لله تَعَالَى ومقامه دون مقَام الأول وَهُوَ عبد ألْقى نَفسه بَين يَدَيْهِ سلما يراقب أُمُوره فَهُوَ يمْضِي فِيهَا كالعبيد لَا يُؤثر أمرا على أَمر وَلَا يدبر لنَفسِهِ تدبيرا بل يراقب تَدْبيره وَيعْمل لَهُ
وَمِنْهُم من أكل فِي ذَات الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَهُوَ دون الثَّانِي بِدَرَجَة