للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الَّذِي لَا يجد عَنهُ مندوحة ليطلبها على خطر وحذر مَخَافَة أَن تَدعُوهُ نَفسه إِلَى فتْنَة وبلية ويقصد بذلك أَن تطمئِن نَفسه كَمَا قَالَ سلمَان رَضِي الله عَنهُ النَّفس إِذا أحرزت رزقها اطمأنت يطْلبهَا على أحسن هَيْئَة وأجمل طلب مَعَ قلب واثق بِاللَّه تَعَالَى فِي رزقه وَنَفس قنعة لم يفتنها حرصها حَتَّى يدعوها إِلَى تنَاول شُبْهَة أَو طلب رخصَة قَالَ الله تَعَالَى رجال لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بيع عَن ذكر الله

فَهَؤُلَاءِ هم المقتصدون أهل الاسْتقَامَة أَعينهم مَادَّة إِلَى الثَّوَاب والتفاتهم إِلَى أَعْمَالهم عَلَيْهَا يعتمدون وَبهَا يدلون وفيهَا يفكرون وَعَلَيْهَا ينطقون وَإِيَّاهَا يطْلبُونَ حَتَّى إِذا وردوا عَرصَة الْقِيَامَة وانكشف الغطاء صَارَت رؤوسهم بَين أَرجُلهم من الْحيَاء فلولا رَحْمَة الله تَعَالَى الَّتِي قد شملتهم من الدُّنْيَا إِلَى ذَلِك الْموقف لكانوا من الهالكين

وَأما الصديقون فقوم فتح لَهُم الطَّرِيق إِلَى الله تَعَالَى فَمروا إِلَيْهِ لَا يعرجون على شَيْء وَلَا يلتفتون إِلَى جنَّة وَلَا نَار وَلَا ثَوَاب وَلَا عِقَاب حَتَّى وصلوا إِلَى الْبَاب فَمَا زَالُوا إِلَى بَابه يرفعون إِلَيْهِ شكواهم حَتَّى فتح لَهُم وأشرق على قُلُوبهم بِنور جَلَاله فشغفوا بِهِ وشغلوا عَن كل شَيْء سواهُ فوقفوا بَين يَدَيْهِ للعبودة صدقا وفوضوا إِلَيْهِ أُمُورهم وائتمنوا على نُفُوسهم وآثروا مختاره كَيفَ مَا دبر لَهُم وَاخْتَارَ رَضوا عَن الله تَعَالَى فِي الْأَحْوَال وَرَضي الله عَنْهُم عز وَجل فِي الْأُمُور يقبلُونَ النِّعْمَة مِنْهُ ويتلقون أوامره ونواهيه بالبشاشة والسماحة يراقبون أمره ويقفون عِنْد حكمه وهم مَعَ الله تَعَالَى فِي كل أَمر وَحَال فسلطان الله على قُلُوبهم قد أمات من نُفُوسهم الشَّهَوَات فَلَا يخَافُونَ من خِيَانَة النَّفس وخروجها عَلَيْهِم من مكامنها كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

<<  <  ج: ص:  >  >>