العبودة لقوم هامت قُلُوبهم فِي حب الله تَعَالَى وهامت فِي جَلَاله وعظمته فانبعثوا لأعمال الْبر شفوفا بهم لعلمهم أَنه يحب ذَلِك وامتنعوا عَن الآثام هَيْبَة لَهُ وإجلالا لمعرفتهم أَنه مساخطه ومكروهه فهذان الصنفان هم أهل لَا إِلَه إِلَّا الله إِلَّا أَن أَحدهمَا أَعلَى من الآخر وَمن لم يكن فِيهِ ذَلِك فَهُوَ من أهل قَول لَا إِلَه إِلَّا الله
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام (لَيْسَ على أهل لَا إِلَه إِلَّا الله وَحْشَة فِي الْقُبُور وَلَا فِي النشور كَأَنِّي أنظر إِلَيْهِم وهم يَنْفضونَ التُّرَاب عَن رؤوسهم وهم يَقُولُونَ الْحَمد لله الَّذِي أذهب عَنَّا الْحزن)
وَالنَّاس فِي الْحزن على دَرَجَات وكل يحمد الله على إذهاب حزنه فالمتقون حزنهمْ قطع النَّار وفوت الْجنَّة ومجاهدة النَّفس أَيَّام الْحَيَاة وَالصِّدِّيقُونَ حزنهمْ تَقْصِير شكر مَا لَزِمَهُم من الْعِصْمَة والتوفيق بِأَن وفقهم للطاعات وعصمهم من الآثام فوجدوا أنفسهم مقصرين فِي شكره ينتظرون الْعَفو والعارفون على صنفين وحزنهم على وَجْهَيْن فصنف مِنْهُم حزنهمْ حزن الْعَاقِبَة وَهُوَ الْغَالِب على قلبه فَإِنَّهُ اشتاق إِلَى الله تَعَالَى فرقي بِهِ إِلَى دَرَجَة الْجلَال وَالْجمال فسكن شوقه لطعم لَذَّة مَا نَالَ من الْقرْبَة فَمر فِي العبودة بِقُوَّة حَظه من الْجلَال وَعظم عمله لغد بِقُوَّة حَظه من الْجمال فَهُوَ مطمئن سَاكن
وَلِهَذَا قيل لوَاحِد مِنْهُم أما تشتاق فَقَالَ إِنَّمَا يشتاق الْغَائِب فاستعظموا هَذَا وصيروه غَايَة الْأَمر وَلَا يعلمُونَ أَن وَرَاء هَذَا دَرَجَة فِيهَا تنافس الْأَنْبِيَاء والأولياء عَلَيْهِم السَّلَام المجذوبين الْمُحدثين وَهُوَ حزن القلق فَإِنَّهُ يقلقل أحشاءهم إِلَى آخر رَمق من الْحَيَاة حَتَّى تخرج أَرْوَاحهم بغصة من الكمد لأَنهم خلصوا إِلَى فردانيته وتعلقوا بوحدانيته