حدثت من الْملك من خَزَائِن الْمِنَّة على أَيدي لطفه فغيرها الْعباد بعمى النُّفُوس عَن جِهَتهَا فَغير الله تَعَالَى مَا بهم قَالَ الله تَعَالَى {ذَلِك بِأَن الله لم يَك مغيرا نعْمَة أنعمها على قوم حَتَّى يُغيرُوا مَا بِأَنْفسِهِم} الْآيَة
فَغير الله تَعَالَى الْحَال وأفسد عَلَيْهَا إعْجَابهَا رَحْمَة للنَّاظِر والمنظور إِلَيْهِ ليَكُون للنَّاظِر عِبْرَة وللمنظور إِلَيْهِ خُرُوجًا من أَن يكون سَببا لما كره الله تَعَالَى من فتْنَة الْعباد من دونه فَأمر هَذَا العاين أَن يغْتَسل فَإِن الغسالة مرفوضة تعافها النَّفس وَجعل الله الشِّفَاء فِيمَا رفضت نَفسهَا وعافته إِذْ لَيْسَ شَيْء فِي الأَرْض مِمَّا يلائم النَّفس إِلَّا وَلها فِيهِ شَهْوَة وإليها نزوع فَإِذا استشفي هَذَا المعان بِمَا قد رفضت نفس العاين وَلَيْسَ لَهَا فِيهِ شَهْوَة وَلَا إِرَادَة تخلصت من آفَة النَّفس تقربا إِلَى الله تَعَالَى بِخِلَافِهَا وَالرَّدّ عَلَيْهَا تأميلا للشفاء وَحسن ظَنّه بِهِ فحقق الله تَعَالَى أمله ويفي بِالظَّنِّ فيعافيه وَصَارَت النَّفس مزجورة مذمومة بِفِعْلِهَا
وَعَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَكثر من يَمُوت من أمتِي بِالنَّفسِ بعد كِتَابه وقضائه) يَعْنِي بِالْعينِ
وَعَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ كَانَ عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَتِيم مَرِيض فَسَأَلَ عَنهُ يَوْمًا فَقَالُوا إِنَّه لمثبت يَا رَسُول الله قَالَ (أَفلا استرقيتم فَإِن ثلث منايا أمتِي من الْعين) وَإِنَّمَا صَار كَذَلِك لِأَن هَذِه الْأمة فضلت بِالْيَقِينِ على سَائِر الْأُمَم فحجبوا يقينهم بالشهوات فعوقبوا