فَإِنَّهُ قد أعطي يسر بِهِ يقوم الْأَمر الَّذِي أَمر وَلَكِن جَاءَت النَّفس بشهوتها فَاحْتَاجَ العَبْد إِلَى يسر آخر فوعده الله تَعَالَى فَقَالَ عسر عَلَيْك الْأَمر فأعطيتك مَعَ الْعسر يسرا وَهُوَ الْعقل الَّذِي هُوَ حجَّة الله تَعَالَى على عباده إِذْ لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا ويسرا بعد الْأَمر حِين تَأْخُذهُ فِيهِ وَهُوَ العون فَإِذا جَاءَ العون انْهَزَمت النَّفس وخمدت الشَّهْوَة وهرب الْعَدو وَبَطل كَيده فهما يسران لم يغلبهما هَذَا الْعسر الَّذِي بَينهمَا من مجاهدة النَّفس حَتَّى يَأْتِيك بحربه وجهاده ليصدك ويقهرك بشهواته وَهُوَ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام (لن يغلب عسر يسرين) فبشرهم أَن العَبْد إِذا اسْتعْمل مَا أعطي من الْيُسْر فِي وَقت هَذَا الْعسر الَّذِي عارضته النَّفس بِهِ جَاءَ الْيُسْر الثَّانِي فَلَنْ يغلب هَذَا الْعسر هذَيْن اليسرين واليسر الثَّانِي هُوَ عونه وَهُوَ عطف الله على الْعباد وَرَحمته وَإِذا عطف على عَبده لم يبْق للنَّفس عَلَيْهِ سَبِيل وَلَا لِلْعَدو مطمع
وَقَوله (من تصبر يصبره الله تَعَالَى) أَي من اسْتعْمل مَا أعطي من الصَّبْر الَّذِي يخرج لَهُ من الْإِيمَان صبره الله أَي جَاءَهُ المدد والعون حَتَّى يتم لَهُ صبره فِي يسر وَهَكَذَا قَالَ الله تَعَالَى {واصبر وَمَا صبرك إِلَّا بِاللَّه} أَي لَا يتم ذَلِك إِلَّا بعون الله تَعَالَى وغياث مِنْهُ
وَهَكَذَا قَوْله (من يستعفف يعفه الله) فَأَما قَوْله (فَمن يسْتَغْن يغنه الله) أَي من التجأ إِلَيْهِ فِي الْحَوَائِج صدقا فَهُوَ أكْرم من أَن يردك ويلجئك إِلَى عبيده
روى ثَابت رَضِي الله عَنهُ قَالَ حبس ابْن أَخ لِصَفْوَان بن مُحرز فَلم يبْق بِالْبَصْرَةِ رجل لَهُ وَجه عِنْد الْأَمِير إِلَّا تحمل بِهِ عَلَيْهِ فَلم يزده إِلَّا شدَّة فَبَاتَ لَيْلَة فَقيل لَهُ فِي مَنَامه يَا صَفْوَان اطلب الْأَمر