للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لِأَنَّهُ يُرِيك ذَلِك النُّور بَاطِن الْأُمُور والأسرار الَّتِي فِي الغيوب الَّتِي خص الله تَعَالَى بالكشف عَنْهَا الْأَنْبِيَاء والأولياء عَلَيْهِم السَّلَام

وَقَوله (حق مَعْرفَته) أَن تعرفه بصفاته العلى وأسمائه الْحسنى معرفَة يَسْتَنِير قَلْبك بهَا فَإِذا عَرفته بذلك كَانَ دعاؤك عَن معرفَة وَحسن الظَّن بِهِ وَقَالَ عز من قَائِل أَنا عِنْد ظن عَبدِي بِي والكريم يستحيي أَن يعرف بِشَيْء ثمَّ لَا يكون لَهُ من ذَلِك الشَّيْء مِنْهُ نوال فَمَا ظَنك بِعَبْد يعرف ربه بِالْكَرمِ ثمَّ يَدعُوهُ فَيَقُول يَا كريم هَل يخيب الْعَارِف لَهُ بذلك وَقد عرفه بِالْكَرمِ معرفَة يَقِين

وَقد عرف الموحدون كلهم أَنه كريم وَلَكِن تِلْكَ معرفَة التَّوْحِيد لَا معرفَة الْيَقِين وَلِهَذَا يعاملونه مُعَاملَة اللئام وَلَا يأتمنونه على أَحْوَالهم إِذْ لَو ائتمنه لم يتَخَيَّر الْأَحْوَال وَألقى مَفَاتِيح الْأُمُور إِلَيْهِ حَتَّى يكون هُوَ الَّذِي يخْتَار لَهُ وَإِذا اخْتَار لَهُ مَا تكره نَفسه ويثقل عَلَيْهَا رَاض نَفسه وأدبها حَتَّى إِذا اخْتَار الله تَعَالَى لَهُ ذَلِك اهتش إِلَى الْمَكْرُوه كَمَا يهتش إِلَى المحبوب ثِقَة بِهِ وتفويضا إِلَيْهِ فَهَؤُلَاءِ الراضون عَن الله تَعَالَى رَضِي الله عَنْهُم وَرَضوا عَنهُ فهم أهل الخشية وَالَّذين عرفوه بِالْكَرمِ معرفَة التَّوْحِيد يتخيرون لَهُ الْأَحْوَال فيهربون من الْفقر والذل ويحتالون لأَنْفُسِهِمْ الْأَحْوَال المحبوبة ويطلبونها ويدبرون لأَنْفُسِهِمْ أمورا وَإِذا جَاءَهُم الْمَكْرُوه من الْأُمُور وَذَلِكَ لَهُ صنع من الله جميل رَأَيْت لَهُ نفسا دنية وخلقا شكسا فَلَا يزَال ذَلِك السوء يتَرَدَّد فِي صَدره حَتَّى يتكدر عَلَيْهِ عيشه فَإِن كَانَ صَاحب تقوى اتَّقى الله بجوارحه وصدره بِهَذِهِ الصّفة وَإِن خذل فَترك تقواه خرج ذَلِك من صَدره إِلَى الْجَوَارِح فافتضح عِنْد الْمَلَائِكَة وعقلاء خلقه فِي الأَرْض

<<  <  ج: ص:  >  >>