أَحْمد ونصرت بِالرُّعْبِ وَجعلت لي الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا وَأحلت لي الْغَنَائِم)
الْوَجْه الثَّانِي أَن الله تَعَالَى قدر الْآجَال والأرزاق والحظوظ من أَهلهَا فَجعل بَعْضهَا وَاجِبَة وَبَعضهَا هَدِيَّة ثمَّ أثبت ذَلِك فِي الْكتاب الَّذِي عِنْده لَا يطلع عَلَيْهِ أحد وَمِنْه نسخ إِلَى اللَّوْح فَيَمْحُو من ذَلِك الْأُم مَا شَاءَ وَيثبت مَا شَاءَ وَإِنَّمَا يمحو من الْهَدَايَا بالأحداث الَّتِي تكون من أَهلهَا فِي الأَرْض فَأَما الْوَاجِبَات فقد وَجَبت لأَهْلهَا فَإِذا حَافظ الْمُؤمن على الْوضُوء وأسبغه فَإِنَّمَا يَدُوم هَذَا الْفِعْل لوفارة إيمَانه واتساع صَدره شرحا لِلْإِسْلَامِ فهداياه فِي أم الْكتاب مثبتة تربو بحفظه وصونه للهدايا فَإِذا استخف بهَا دخل التَّخْلِيط فِي إيمَانه وَذَهَبت الوفارة وانتقص من كل شيئ بِمَنْزِلَة الشَّمْس الَّتِي ينكسف طرف مِنْهَا فبقدر مَا انكسف وَلَو مِقْدَار رَأس إبرة انْتقصَ من شعاعها وإشراقها فَكَذَلِك نور الْمعرفَة بِقدر مَا ينكسف من شمسها ينتقص من جَمِيع أَعماله وأخلاقه وَسيرَته فِي الدّين بَين يَدي الله تَعَالَى لِأَن الْقلب صَار محجوبا وَمن حجب عَن الله تَعَالَى بِمِقْدَار رَأس إبرة فزوال الدُّنْيَا بكليتها أَهْون من ذَلِك فَلَا يزَال العَبْد ينتقص ويدوم ويتراكم نقصانه وَهُوَ أبله لَا ينتبه بذلك حَتَّى يسْتَوْجب الحرمان فتمحى الْهَدِيَّة وَيبقى العَبْد خَالِيا وَلَو قد عقل لما حل بِهِ وانتبه لَهُ لم يزل صَارِخًا إِلَى الله تَعَالَى حَتَّى تثبت لَهُ الْهَدِيَّة وَيُزَاد فِي الْعُمر فيؤخر أَجله ويزداد فِي رزقه وقوته فِي أَعمال الدّين وَالدُّنْيَا وَيُزَاد فِي الْبركَة فِي كل شَيْء مِنْهُ
وَقد جَاءَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (إِن الرجل ليبقى من أَجله ثَلَاثَة أَيَّام فيصل رَحمَه فيزيد الله تَعَالَى فِي عمره ثَلَاثِينَ سنة)