إِلَى الطعْن فِيهَا وَدُعَاء كل رجل يخرج على قدر مَا عِنْده من قُوَّة الْقلب فِي الدُّعَاء فَرب دُعَاء دَاع يخرج من نور وافر بِمَنْزِلَة شمس تطلع وَدُعَاء يخرج مَعَ تَقْصِير فنوره بِمَنْزِلَة قمر يطلع وَدُعَاء يخرج مَعَ تَقْصِير كثير فنوره بِمَنْزِلَة كَوْكَب وَإِنَّمَا تفَاوت الدُّعَاء لاخْتِلَاف مخارجها من الْمَعَادِن
قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الْقُلُوب أوعية وَبَعضهَا أوعى من بعض فَإِذا دعوتم الله تَعَالَى فَادعوهُ وَأَنْتُم موقنون بالاستجابة فَإِن الله تَعَالَى لن يستجيب دُعَاء عَن ظهر قلب غافل
فَظهر الْقلب دُعَاء قد تعلمه العَبْد يدبر الْكَلِمَات بمضغة لِسَانه فِي حنكه ولهاثه وَلَيْسَ عِنْده وَرَاء ذَلِك شَيْء إِلَّا تِلْكَ الْإِرَادَة الَّتِي من الْقلب يَبْتَغِي خيرا من عِنْد ربه وَهُوَ لَا يدْرِي ذَلِك الْخَيْر وَهُوَ عِنْده كالجزاف غير مفتقر إِلَى تِلْكَ الْحَاجة فَهُوَ كصبي نطق من غير عقل وَلَيْسَ لكَلَام الصَّبِي قدر عِنْد الْخلق إِلَّا أَن الْكَرِيم لما علم إِرَادَة الْخَيْر من الدَّاعِي أعطَاهُ على ذَلِك أجرا إِذا دَعَا على رَجَاء أَن ينَال مِنْهُ مَعْرُوفا فَأَما الاستجابة فَهُوَ بعيد مِنْهَا لِأَنَّهُ لم يخرج مِنْهُ الدُّعَاء على الْجد وَالِاجْتِهَاد وَلَو كَانَ ذَلِك مِنْهُ جدا لترك الْإِبَاق من ربه بِالذنُوبِ والمعاصي والبطالات والإكباب على الدُّنْيَا وَالِاسْتِخْفَاف بِحَق الله وَبِدَارِهِ وبيوم الْحساب وبوعده ووعيده ومواعظه وَمَوته فَإِن الْآبِق من مَوْلَاهُ فِي الدُّنْيَا إِذا دَعَاهُ فِي حَال اباقه ويراسله يسْتَوْجب بذلك المقت من مَوْلَاهُ لِأَنَّهُ فِي صُورَة المستهزئ بِهِ فَمن أثقل ظَهره من الْخَبَائِث فَصَارَ كسلان لَحْمًا ودما ملقى على الأَرْض وخيما جلفا جَافيا فتعلم الْأَدْعِيَة عَن أَلْسِنَة النَّاس ملتمسا بهَا نوالا لَا عَن فاقة وافتقار خرجت من جَوْفه تِلْكَ الْكَلِمَات وَلَا علم لَهُ