للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَوْله (اقْتصر على محكمه ورد علم متشابهة إِلَى عالمه) فالمحكم مَا خرج إِلَى الْعباد من الْحِكْمَة الْبَالِغَة مثل قَوْله تَعَالَى {قل تَعَالَوْا أتل مَا حرم ربكُم عَلَيْكُم} وَقَوله {وَقضى رَبك أَلا تعبدوا إِلَّا إِيَّاه} إِلَى قَوْله {ذَلِك مِمَّا أوحى إِلَيْك رَبك من الْحِكْمَة}

فَأعْلم الْعباد أَنه لم يَأْمر بِشَيْء وَلَا نهى عَن شَيْء جزَافا أَمرهم ونهاهم بالحكمة الْبَالِغَة

وَقد قَالَ قوم من الْعلمَاء لَيْسَ لأَمره وَنَهْيه عِلّة وَإِنَّمَا هُوَ تعبد وَلَيْسَ كَمَا زعم فَإِنَّهُ تعبد لزم الْعباد الْعَمَل بِهِ وَلَكِن تَيَقّن أَن الله تَعَالَى لم ينْه عَن شَيْء وَلَا أَمر بِشَيْء إِلَّا بالحكمة تَعَالَى الله عَن الْجزَاف المهمل عَن التَّدْبِير وَالتَّقْدِير فتطلب تِلْكَ الْحِكْمَة فِي معادنها فَإِنَّهَا تبعثك على إِقَامَة الْأَمر وَالنَّهْي

وَنحن نذْكر صُورَة نستدل بهَا وَهُوَ أَن الله تَعَالَى افْترض الصَّلَاة على عباده فَرجل أَدَّاهَا تعبدا وَآخر طالع الْحِكْمَة ببصيرته فَوجدَ العَبْد موكلا لحفظ الْجَوَارِح السَّبع السّمع وَالْبَصَر وَاللِّسَان والبطن والفرج وَالْيَدَانِ وَالرجلَانِ بِمَنْزِلَة عبد وكل بسبعة أَغْنَام لكل شَاة مِنْهَا مرعى على حِدة فَأمر بِأَن يرعاها فِي مراعيها وَمَتى تردى وَاحِد فِي جرف تبادر بِإِخْرَاجِهِ فَإِن عني بشأنهن ورعايتهن نَالَ الْكَرَامَة وَإِن أهمل مَا اكْتسب بِفِعْلِهِ إِلَّا مقتا وبعدا فَهَذَا الْمُؤمن فِي غفلاته كَالرَّاعِي فِي نفشائه وَإِنَّمَا سمي مُؤمنا لِأَنَّهُ إطمأن إِلَى الله عبودة لَهُ وَاسْتقر قلبه وَسمي مُسلما لتسليم جوارححه إِلَيْهِ فِي أمره وَنَهْيه وَعَلِيهِ الْوَفَاء بذلك إِلَى يَوْم لِقَائِه فَمَتَى مَا ضيع شَيْئا من أمره وَنَهْيه دخل فِي وَفَاء تَسْلِيمه نقص بِقدر مَا ضيع

<<  <  ج: ص:  >  >>