الْهَوَام بل هما خلق بديع وَلَيْسَ فِي خلقهما أنس للناظرين إِلَيْهِمَا خلقهما الله تَعَالَى مكرمَة للْمُؤْمِنين وتبصرة وهتكا لستر الْمُنَافِق فِي البرزخ من قبل أَن يبْعَث حَتَّى يحل عَلَيْهِ الْعَذَاب وَإِنَّمَا صَارَت مكرمَة لِلْمُؤمنِ لِأَن الْعَدو لم يَنْقَطِع طمعه بعد فَهُوَ يَتَخَلَّل السَّبِيل إِلَى أَن يحيره فِي البرزخ
وَمِمَّا يُحَقّق ذَلِك مَا روى سعيد بن الْمسيب رَضِي الله عَنهُ قَالَ حضرت عبد الله بن عمر فِي جَنَازَة فَلَمَّا وَضعه فِي اللَّحْد قَالَ بِسم الله وَفِي سَبِيل الله وعَلى مِلَّة رَسُول الله فَلَمَّا أَخذ فِي تَسْوِيَة اللَّحْد قَالَ اللَّهُمَّ أجره من الشَّيْطَان وَمن عَذَاب الْقَبْر وَمن عَذَاب النَّار فَلَمَّا سوى الْكَثِيب عَلَيْهِ قَامَ جَانب الْقَبْر ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ جَاف الأَرْض من كثيبها وَصعد روحه ولقه مِنْك رضوانا فَقلت لِابْنِ عمر أشيئا سمعته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم شَيْئا قلته من تِلْقَاء نَفسك قَالَ إِنِّي إِذا لقادر على القَوْل بل سمعته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
عَن عَمْرو بن مرّة قَالَ كَانُوا يستحبون إِذا وضع الْمَيِّت فِي اللَّحْد أَن يُقَال اللَّهُمَّ أعذه من الشَّيْطَان الرَّجِيم فَإِنَّمَا كَانُوا يتخوفون من فتْنَة الفتانين من قبل الْعَدو وَأَنه يشبه على من كَانَ فِي قلبه زيغ أَيَّام الْحَيَاة فَروِيَ عَن سُفْيَان الثورى أَنه قَالَ إِذا سُئِلَ الْمَيِّت من رَبك ترَاءى لَهُ الشَّيْطَان فِي صُورَة فيشير إِلَى نَفسه أَي أَنا رَبك فَهَذِهِ فتْنَة عَظِيمَة جعلهَا الله مكرمَة لِلْمُؤمنِ إِذا ثبته ولقنه الْجَواب فَلذَلِك كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُو بالثبات يَقُول اللَّهُمَّ ثَبت عِنْد الْمسَائِل مَنْطِقه وَافْتَحْ أَبْوَاب السَّمَاء لروحه
فَلَو لم يكن للشَّيْطَان هُنَاكَ سَبِيل مَا كَانَ ليدعو لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَن يجيره من الشَّيْطَان وَإِنَّمَا سُؤال الْمَيِّت فِي هَذِه الْأمة خَاصَّة لِأَن الْأُمَم قبلهَا كَانَت الرُّسُل تأتيهم بالرسالة فَإِذا أَبَوا كفت الرُّسُل فاعتزلت