السّمك إِنَّمَا يَقع فِي حبالته لشَهْوَة بَطْنه وَكَذَلِكَ الْآدَمِيّ إِنَّمَا يَقع فِي حبالة الْعَدو حَتَّى يتَوَلَّى دون الله إِلَهًا ويتخذه معبودا لشَهْوَة نَفسه يَشْتَهِي أَن يعاين معبوده فيلتذ بِالْعبَادَة فَطلب معبوده فَلَمَّا لم يجده مده الْعَدو إِلَى شَيْء وَصَوت لَهُ من جَوْفه وزينه لَهُ فالتذ بِصَوْتِهِ فعبده فَهُوَ يعبد الشَّيْطَان وَلَا يدْرِي بِحَيْثُ أَنه يعبد ذَلِك الوثن وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى لَهُم يَوْم الْقِيَامَة ألم أَعهد إِلَيْكُم يَا بني آدم أَلا تعبدوا الشَّيْطَان إِنَّه لكم عَدو مُبين وَقَالَ واستنفزز من اسْتَطَعْت مِنْهُم بصوتك واجلب
قَالَ لَهُ قَائِل مَا ذَلِك الصَّوْت قَالَ ذَلِك صَوت أعْطى الْعَدو ليفتن بِهِ الْآدَمِيّين أَي يهيج الحرقة الَّتِي فِي جَوف الْآدَمِيّ قَالَ الْقَائِل وَمَا تِلْكَ الحرقة قَالَ تِلْكَ حرقة الْفَرح الَّذِي خلق من النَّار فَوضع بِبَاب النَّار وحفت النَّار بِهِ وَهُوَ الشَّهَوَات فَمن سَمعهَا من المخذولين فقد سباه وَمن سَمعهَا من الْمُوَحِّدين لم يقدر أَن يسبيه لِأَن الله تَعَالَى من عَلَيْهِ بِالرشد وَمن من عَلَيْهِ بِالرشد فقد كره إِلَيْهِ الْكفْر والفسوق والعصيان أُولَئِكَ هم الراشدون فضلا من الله ونعمة وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلَقَد آتَيْنَا إِبْرَاهِيم رشده من قبل}
فَمن أُوتِيَ الرشد لم يتلذذ بذلك الصَّوْت وَمن وجد قلبه خَالِيا عَن ذَلِك سباه أَلا ترى أَن الْمُوَحِّدين لما سمعُوا صَوته فِي المزامير وَالْمَعَازِف افتتنوا بِهِ وَلَوْلَا أَنه يمازج بِصَوْتِهِ ذَلِك الصَّوْت من المعازف مَا التذوا بِهِ وَقد كره الله الْكفْر إِلَى الْمُؤمن وَلم يكن إِلَيْهِ المعازف وَأمره بالمجاهدة فَإِذا جَاهد فتح لَهُ فِي الْغَيْب فنال من الْأَنْوَار مَا لَا تَجِد لَهُ هَذِه المعازف إِلَيْهِ سَبِيلا لِأَن الَّذِي فِي جَوْفه من الشَّهْوَة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute