أَو شَيْء من الْأَشْيَاء فخطر ببالهم فِي ذَلِك الشَّيْء شَهْوَة غَيرهَا تحول ذَلِك الشَّيْء إِلَى مَا اشتهت أنفسهم لِئَلَّا يتنغص عَلَيْهِم عيشهم وَلَا يتكدر عَلَيْهِم عَطاء رَبهم لِأَن الله تَعَالَى وعد فِي تَنْزِيله أَن الْجنَّة عَطاء غير مجذوذ أَي غير مُنْقَطع
وَلَو كَانَ إِذا خطر بِبَالِهِ شَيْء احْتج إِلَى مُدَّة ومهلة حَتَّى يَنَالهُ لم يكن فِي ذَلِك وَفَاء بالوعد فَجعل الله الْجنَّة وَنَعِيمهَا لَهُ نهمة كلما خطرت بِبَالِهِ شَهْوَة فِي شَيْء تحولت لَهُ تِلْكَ فِي أسْرع من طرفَة عين إِلَى الشَّهْوَة الْأُخْرَى وَفَاء لَهُ بِمَا وعد ليَكُون عَطاء غير مجذوذ دَائِما أبدا أَلا يرى أَنه يَأْتِي زَوجته وَهِي بكر فَإِذا قضى مِنْهَا شَهْوَته عَادَتْ بكرا على حَالهَا فَهَكَذَا شَأْن الْجنَّة فَإِذا خرجت من الْجنَّة إِلَى الدُّنْيَا تِلْكَ الْأَشْيَاء تَغَيَّرت أحوالها لِأَن الْجنَّة مُحرمَة على الْآدَمِيّين حَتَّى يَذُوقُوا الْمَوْت أَلا ترى أَن الْحجر الْأسود فِي الرُّكْن كَانَ يضيء كَالشَّمْسِ فاسود لأدناس الْآدَمِيّين وسترت زينته عَنْهُم فَهُوَ فِي الْبَاطِن كَهَيْئَته وَلكنه مَسْتُور وَلَو دق فَصَارَ رضيضا لم تَجدهُ إِلَّا أسود فِي رَأْي الْعين وَهُوَ فِي الْبَاطِن على هَيئته
عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَوْلَا مَا ضيع من الرُّكْن من أنجاس الْجَاهِلِيَّة وأرجاسها وأيدي الظلمَة والأثمة لاستشفى بِهِ من كل عاهة ولألفاه الْيَوْم كَهَيْئَته يَوْم خلقه الله وَإِنَّمَا غَيره الله بِالسَّوَادِ لِئَلَّا ينظر أهل الدُّنْيَا إِلَى زِينَة الْجنَّة وَإِنَّهَا لياقوتة بَيْضَاء من ياقوت الْجنَّة وَضعه الله لآدَم حِين أنزلهُ فِي مَوضِع الْكَعْبَة قبل أَن تكون وَالْأَرْض يَوْمئِذٍ طَاهِرَة لم يعْمل عَلَيْهَا شَيْء من الْمعاصِي وَلَيْسَ لَهَا أهل ينجسونها وَوضع لَهَا صفا من الْمَلَائِكَة على أَطْرَاف الْحرم يحرسونه من جَان الأَرْض وسكانها يَوْمئِذٍ الْجِنّ وَلَيْسَ يَنْبَغِي لَهُم أَن ينْظرُوا إِلَيْهِ لِأَنَّهُ شَيْء من الْجنَّة وَمن نظر إِلَى الْجنَّة دَخلهَا