إِن تقدم البدو على الْحَضَر كَمَا إِنَّه مَادَّة لَهُ ظَاهر من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن البدو لما اقْتصر فِيهِ على الضَّرُورِيّ الَّذِي هُوَ أقدم من الْحَاج الَّذِي تجوز إِلَيْهِ فِي الْحَضَر وَكَانَ الضَّرُورِيّ أصلا والحاجي فرعا دلّ ذَلِك على أَن البدو مُتَقَدم على الْحَضَر وأصل لَهُ ومادة الثَّانِي إِن العيان شَاهد بِأَن أولية أهل الْأَمْصَار فِي الْأَكْثَر إِنَّمَا هِيَ من أهل البدو عُدُولًا إِلَى الدعة والترف لما يسروا وارتاشوا وَهُوَ يدل على أَن أَحْوَال الحضارة ناشئة عَن أَحْوَال البدواة
السَّابِقَة الْخَامِسَة
إِن أهل البدو أقرب إِلَى الْخَيْر من أهل الْحَضَر لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَن النَّفس مَتى بقيت على الْفطْرَة الأولى تهيأت لقبُول مَا يرد عَلَيْهَا من خير أَو شَرّ والبدو أقرب إِلَيْهَا من الْحَضَر لما انطبع فِي نُفُوسهم من سوء الملكات بعوائد الحضارة وَحِينَئِذٍ فعلاج أهل البدو اسهل وَهُوَ معنى أَنهم أقرب إِلَى الْخَيْر