قَالَ الجاحظ من أَخْلَاق الْملك الْبَحْث عَن سَائِر خاصته وعامته وإذكاء الْعُيُون عَلَيْهِم خَاصَّة وعَلى الرّعية عَامَّة وَلَا يكون شَيْء أهم وَلَا أكبر فِي سياسة وانتظام ملكه من الفحص عَن ذَلِك وَمَتى غفل عَنهُ فَلَيْسَ لَهُ من التَّسْمِيَة بِالْملكِ الَّذِي مَعْنَاهُ مُبَالغَة فِي الرِّعَايَة بذلك إِلَّا مُجَرّد الذّكر فَقَط انْتهى ملخص حَاصله ثمَّ استظهر على قَوْله بأمرين
أَحدهمَا أَن الرّعية لَا تسكن قلوبها بجلالة ملكهَا وَلَو عبدته الْجِنّ والأنس ودانت لَهُ مُلُوك الْأُمَم حَتَّى يكون أعلم النَّاس بأفاعيلها وَأكْثر بحثا عَن أسرارها من الْمَزِيد عَن حركاته وسكونه
الثَّانِي انه يُقَال أَن الْملك لتطول مدَّته إِذا كَانَت فِيهِ أَربع خِصَال أَلا يرضى للرعية إِلَّا مَا يرضاه لنَفسِهِ وَأَن لَا يسوف عملا يخَاف عاقبته وَأَن يَجْعَل ولي عَهده من ترضاه رعاياه لَا لأمر تهواه نَفسه وان يفحص عَن الرّعية فحص الْمُرضعَة عَن مَنَام رضيعها
شَهَادَة عيان
وَقد تَجِد مصداق هَذَا وَيشْهد لَهُ أَنا لم نر مُدَّة طَالَتْ لملك عَرَبِيّ وعجمي وَلَا عجمي إِلَّا لمن فحص فِيهَا عَن الْأَسْرَار وَبحث عَن خَفِي الْأَخْبَار حَتَّى يكون من أُمُور رَعيته على مثل وضح النَّهَار
قلت وَقد تقدم قَول من سُئِلَ عَن سَبَب ذهَاب ملكه أَن أعظمها استتار الْأَخْبَار عَنْهُم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute