الْعَرَب من بني شيبَة سكان تِلْكَ النواحي المجلوب إِلَيْهَا بوظيفة من المَال كَثِيرَة على أَن لَا يقطعوا المَاء عَن الْحَاج فَلَمَّا توفى عَادوا إِلَى عَادَتهم من قِطْعَة وَمن مآثره أَنه جعل مَدِينَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَحت سَرِير من عيقر وَأنْفق فِيهَا أَمْوَالًا لَا تحصى كَثْرَة وَمن أعجب مَا وَفقه الله إِلَيْهِ أَنه جدد أَبْوَاب الْحرم كلهَا وجدد بَاب الْكَعْبَة وعشاه فضَّة مذْهبه وجدد العتبة الْمُبَارَكَة بلوح ذهب ابريز وَأخذ الْبَاب الْقَدِيم وَأمر أَن يصنع لَهُ مِنْهُ تَابُوت يدْفن فِيهِ فَلَمَّا حانت وَفَاته أَمر أَن يوضع فِي ذَلِك التابوت الْمُبَارك ويحج بِهِ مستا ويدفن بالموصل دون السّنة وَبعد ذَلِك أَن يسَار إِلَى عَرَفَات وَيُوقف بِهِ على الْجَبَل ويكشف عَن التابوت فَلَمَّا أَفَاضَ النَّاس بِهِ وكتبت لَهُ الْمَنَاسِك كلهَا وطيف بِهِ طواف الْإِفَاضَة وَكَانَ رَحمَه الله لم يحجّ فِي حَيَاته ثمَّ حمل إِلَى مَدِينَة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَله فِيهَا الْآثَار الْكَرِيمَة وبنيت لَهُ رَوْضَة بازاء رَوْضَة الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفتح بهَا مَوضِع يُلَاحظ الرَّوْضَة المقدسة وأقيم لَهُ ذَلِك لسابق أَفعاله الْكَرِيمَة وَإِلَيْهِ ينْسب أحد الحمامين الَّذين بسكة الْمَشْهُور بحمام جمال الدّين
قَالَ وَلِهَذَا الرجل من الْآثَار الجميلة والمفاخر الجليلة الَّتِي لم يسْبق إِلَيْهَا الأكابر الأجواد والسادات الأمجاد فِيمَا سلف من الْأَزْمَان مَا لَا يُحْصى ويستقر بِهِ الثَّنَاء ويستصحب طول الْأَزْمَان من الْأَلْسِنَة بِالدُّعَاءِ وحسبك أَنه اتَّسع اعتناؤه بإصلاح جادة الطَّرِيق للْمُسلمين فِي الْمشرق من الْعرَاق إِلَى الشَّام إِلَى الْحجاز فاستنبط الْمِيَاه وابتنى الْجبَاب واختط الْمنَازل فِي المغازات وَأمر بعماراتها مأوى لأبناء السَّبِيل وكافة الْمُسَافِرين وابتنى بالمدن الْمُتَّصِلَة من الْعرَاق إِلَى الشَّام فنادق وعينها لنزول الْفُقَرَاء وَأَبْنَاء السَّبِيل الَّذين تضعفت أَحْوَالهم عَن تأدية الأكرية وأجرى على قومه تِلْكَ الفنادق والنازل مَا يقوم بعيشهم وَعين لَهُم ذَلِك فِي وُجُوه متأبدة لَهُم فَبَقيت لَهُم تِلْكَ الرسوم على حَالهَا إِلَى الْآن فسارت تلهج بِذكر هَذَا الرفاق وملئت ثَنَاء عَلَيْهِ الْآفَاق وَكَانَ مُدَّة حَيَاته بالموصل قد اتخذ دَار كَرَامَة وَاسِعَة الفناء فسيحة الأرجاء يَدْعُو إِلَيْهَا كل يَوْم الجفلى من الغرباء شبعا وريا وَرُبمَا وجد الْوَارِد والصادر فِي ظله
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute