الْحِكَايَة الثَّانِيَة يرْوى أَن رجلا قدم بَغْدَاد يُرِيد الْحَج وَكَانَ مَعَه عقد يُسَاوِي ألف دِينَار فاجتهد فِي بَيْعه فَلم يتَّفق فجَاء إِلَى عطار مَوْصُوف بِالْخَيرِ فأودعه إِيَّاه ثمَّ حج وَعَاد فَأَتَاهُ بهدية فَقَالَ لَهُ الْعَطَّار من أَنْت وَمَا هَذَا
فَقَالَ لَهُ الرجل أَنا صَاحب العقد الَّذِي أودعتك إِيَّاه فَأنكرهُ وَدفعه من دكانه وَقَالَ يَدعِي عَليّ مثل هَذِه الدَّعْوَى فَاجْتمع النَّاس وَقَالُوا للْحَاج وَيلك هَذَا رجل خير فَمَا وجدت من تَدعِي عَلَيْهِ إِلَّا هَذَا فتحير الْحَاج وَتردد إِلَيْهِ فَمَا زَاده إِلَّا شتما وَضَربا فَقيل لَهُ اذْهَبْ إِلَى عضد الدولة فَلهُ فِي هَذِه الْأَشْيَاء فراسة فَكتب قصَّته وَجعلهَا على قَصَبَة ورفعها إِلَى عضد الدولة فصاح بِهِ فجَاء فَسَأَلَهُ عَن حَاله فَأخْبرهُ بالقصة فَقَالَ لَهُ اذْهَبْ إِلَى الْعَطَّار غدْوَة واقعد على دكانه فَإِن مَنعك فَاقْعُدْ على دكان يُقَابله من بكرَة إِلَى الْمغرب وَافْعل هَذَا ثَلَاثَة أَيَّام فَإِنِّي أَمر عَلَيْك فِي الْيَوْم الرَّابِع وأقف وَأسلم عَلَيْك فَلَا تقم لي وَلَا تزدني على رد السَّلَام وَجَوَاب مَا أَسأَلك عَنهُ وَإِذا انصرفت عَنْك فأعد عَلَيْهِ ذكر العقد ثمَّ أعلمني بِمَا يَقُول لَك فَإِن أعطاكه فجيء بِهِ إِلَيّ فَقَالَ فجَاء إِلَى دكان الْعَطَّار ليجلس فَمَنعه فَجَلَسَ مُقَابِله ثَلَاثَة أَيَّام فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْم الرَّابِع جَاءَ عضد الدولة فِي موكبه الْعَظِيم فَلَمَّا رأى الْخُرَاسَانِي وقف فَقَالَ لَهُ سَلام عَلَيْك فَقَالَ الْخُرَاسَانِي وَلم يَتَحَرَّك وَعَلَيْكُم السَّلَام فَقَالَ يَا أخي تقدم فَلَا تأت إِلَيْنَا وَلَا تعرض عَن حوائجك علينا فَقَالَ كَذَا اتّفق وَلم يشبعه الْكَلَام وعضد الدولة يسْأَله ويحتففي بِهِ وَقد وقف الْعَسْكَر كُله والعطار قد أُغمي عَلَيْهِ من الْخَوْف فَلَمَّا انْصَرف الْتفت الْعَطَّار إِلَى الْحَاج فَقَالَ لَهُ وَيحك مَتى أودعتني هَذَا العقد وَفِي أَي شَيْء كَانَ ملفوفا فذكرني لعَلي أذكر فَقَالَ من صفته كَذَا وَكَذَا فَقَامَ يفتش ثمَّ نفض جرة عِنْده فَوَقع العقد فَقَالَ قد كنت نَسِيته وَلَو لم تذكرني فِي الْحَال مَا ذكرته ثمَّ أَخذ العقد وَقَالَ أَي فَائِدَة لي أَن أعلم عضد الدولة ثمَّ قَالَ لنَفسِهِ فَلَعَلَّهُ يُرِيد أَن يَشْتَرِيهِ فَذهب إِلَيْهِ وأعلمه فَبعث بِهِ مَعَ الْحَاجِب وعاقب الْعَطَّار
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute