للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلما كَانَت السجدتان لَا تصيران اثْنَيْنِ إِلَّا بتخلل فعل أَجْنَبِي شرعت الجلسة بَينهمَا.

وَلما كَانَت القومة والسجدة بِدُونِ الطُّمَأْنِينَة طيشا وَلَعِبًا منافيا للطاعة أَمر بطمأنينة فيهمَا.

وَلما كَانَ الْخُرُوج من الصَّلَاة ينْقض صلطهارة أَو غير ذَلِك من مَوَانِع الصَّلَاة ومفسداتها - قبيحا مستنكرا منافيا للتعظيم، وَلَا بُد من فعل ننتهي بِهِ الصَّلَاة وَيُبَاح بِهِ مَا حرم فِي الصَّلَاة وَلَو لم يضْبط لذهب كل وَاحِد إِلَى هَوَاهُ - وَجب أَن لَا يكون الْخُرُوج إِلَّا بِكَلَام وَهُوَ أحسن كَلَام النَّاس أَعنِي السَّلَام، وَأَن يُوجب ذَلِك وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تحليلها التَّسْلِيم ".

وَكَانَ الصَّحَابَة استحبوا أَن يقدموا على السَّلَام قَوْلهم: السَّلَام على الله قبل عباده، السَّلَام على جِبْرَائِيل وَالسَّلَام على فلَان، فَغير رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِك بالتحيات، وَبَين سَبَب التَّغْيِير حَيْثُ قَالَ: " لَا تَقولُوا السَّلَام على الله فَإِن الله هُوَ السَّلَام " يَعْنِي إِنَّمَا الدُّعَاء بالسلامة إِن يُنَاسب من لَا تكون السَّلامَة من الْعَدَم ولواحقه ذاتيا لَهُ، ثمَّ اخْتَار بعده السَّلَام على النَّبِي تنويها بِذكرِهِ وإثباتا اللإقرار برسالته أَدَاء لبَعض حُقُوقه، ثمَّ عمم بقوله: السَّلَام علينا وعَلى عياد الله الصَّالِحين، قَالَ: فَإِذا قَالَ ذَلِك أصَاب كل عبد صَالح فِي السَّمَاء وَالْأَرْض " ثمَّ أَمر بالتشهد لِأَنَّهُ أعظم الْأَذْكَار قَالَ: " ثمَّ ليتخير من الدُّعَاء أعجبه إِلَيْهِ " وَذَلِكَ لِأَن وَقت الْفَرَاغ من الصَّلَاة وَقت الدُّعَاء لِأَنَّهُ تغشى بغاشية عَظِيمَة من الرَّحْمَة وَحِينَئِذٍ يُسْتَجَاب الدُّعَاء.

وَمن آدَاب الدُّعَاء تَقْدِيم الثَّنَاء على الله والتوسل بِنَبِي الله، ليستجاب الدُّعَاء، ثمَّ تقرر الْأَمر على ذَلِك، وَجعل التَّشَهُّد ركنا لِأَن لَوْلَا هَذِه الْأُمُور لَكَانَ الْفَرَاغ من الصَّلَاة مثل فرَاغ المعرض أَو النادم، وهنالك وُجُوه كَثِيرَة بَعْضهَا خَفِي المأخذ وَبَعضهَا ظَاهر لم نذكرها اكْتِفَاء بِمَا ذكرنَا.

وَبِالْجُمْلَةِ من تَأمل فِيمَا ذكرنَا وَفِي الْقَوَاعِد الَّتِي أسلفناها علم قطعا أَن الصَّلَاة بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّة هِيَ الَّتِي يَنْبَغِي أَن تكون، وأنما لَا تتَصَوَّر الْعقل أحسن مِنْهَا وَلَا أكمل، وَأَنَّهَا هِيَ الْغَنِيمَة الْكُبْرَى للمغتنم.

وَلما كَانَ الْقَلِيل من الصَّلَاة لَا يُفِيد فَائِدَة معتدا بهَا، وَالْكثير جدا يعسر إِقَامَته اقْتَضَت حِكْمَة الله أَلا يشرع لَهُم أقل من رَكْعَتَيْنِ، فالركعتان أقل الصَّلَاة، وَلذَلِك قَالَ: " فِي كل رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّة ".

<<  <  ج: ص:  >  >>