أَقُول الأَصْل فِي عدد الرَّكْعَات أَن الْوَاجِب الَّذِي لَا يسْقط بِحَال إِنَّمَا هُوَ أحدى عشر رَكْعَة، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ اقْتَضَت حِكْمَة الله أَلا يشرع فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة إِلَّا عددا مُبَارَكًا متوسطا لَا يكون كثيرا جدا، فيعسر إِقَامَته على الْمُكَلّفين جَمِيعًا، وَلَا قَلِيلا جدا، فَلَا يُفِيد لَهُم مَا أُرِيد من الصَّلَاة، وَقد علمت فِيمَا سبق أَن الْأَحَد عشر من بَين الْأَعْدَاد أشبههَا بالوتر الْحَقِيقِيّ، ثمَّ لما هَاجر النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتقر الْإِسْلَام، وَكثر أَهله، وتوفرت الرغبات فِي الطَّاعَة زيدت سِتّ رَكْعَات، وأبقيت صَلَاة السّفر على النمط الأول، وَذَلِكَ لِأَن الزِّيَادَة لَا يَنْبَغِي أَن تصل إِلَى مثل الشَّيْء أَو أَكْثَره،
وَكَانَ الْمُنَاسب أَن يَجْعَل نصف الأَصْل لَكِن لَيْسَ لأحد عشر نصف بِغَيْر كسر، فَبَدَا عددان خَمْسَة وَسِتَّة، وبالخمسة يصير عدد الرَّكْعَات شفعا غير وتر، فتعينت السِّتَّة، وَأما توزيع الرَّكْعَات على الْأَعْدَاد فمبني على آثَار الْأَنْبِيَاء السَّابِقين على مَا يذكر فِي الْأَخْبَار، وَأَيْضًا فالمغرب آخر الصَّلَاة من وَجه لِأَن الْعَرَب يعدون اللَّيَالِي قبل الْأَيَّام، فَنَاسَبَ أَن يكون الْوَاحِد الْوتر للركعات فِيهَا ووقتها ضيق فَلَا تناسب زِيَادَة مَا زيد فِيهَا آخرا، وَوقت الْفجْر وَقت نوم وكسل فَلم يزِيد فِي عدد الرَّكْعَات، وَزَاد فِيهَا اسْتِحْبَاب طول الْقِرَاءَة لمن أطاقه، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: