للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَهُنَا سر دَقِيق، وَهُوَ أَن سنة الله تَعَالَى فِي خلق الْأَفْرَاد والأشخاص

من الْحَيَوَان والنبات أَن يكون هُنَالك شقان يضم كل وَاحِد بِالْآخرِ، ويجعلان شَيْئا وَاحِدًا، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى:

{وَالشَّفْع وَالْوتر}

أما الْحَيَوَان فشقاه معلومان، وَرُبمَا تعرض الآفة شقا دون شقّ كالفالج، أما النَّبَات فالنواة والحبة فيهمَا شقان، وَإِذا نَبتَت الخامة وَإِنَّمَا تنْبت ورقتان كل ورقة مِيرَاث أحد شقي النواة والحبة، ثمَّ يتَحَقَّق النمو على ذَلِك النمط، فانتقلت هَذِه السّنة من بَاب الْخلق إِلَى بَاب التشريع فِي حَظِيرَة الْقُدس، لِأَن التَّدْبِير فرع الْخلق، وانعكس من هُنَاكَ فِي قلب النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

فَأصل الصَّلَاة هُوَ رَكْعَة وَاحِدَة، وَلم يشرع أقل من رَكْعَتَيْنِ فِي عَامَّة الصَّلَاة، وضمت كل وَاحِدَة بِالْأُخْرَى وصارتا شَيْئا وَاحِدًا، قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: " فرض الله الصَّلَاة حِين فَرضهَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي الْحَضَر وَالسّفر، فأقرت صَلَاة السّفر وَزيد فِي صَلَاة الْحَضَر " وَفِي رِوَايَة - إِلَّا الْمغرب فَإِنَّهَا كَانَت ثَلَاثًا -.

أَقُول الأَصْل فِي عدد الرَّكْعَات أَن الْوَاجِب الَّذِي لَا يسْقط بِحَال إِنَّمَا هُوَ أحدى عشر رَكْعَة، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ اقْتَضَت حِكْمَة الله أَلا يشرع فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة إِلَّا عددا مُبَارَكًا متوسطا لَا يكون كثيرا جدا، فيعسر إِقَامَته على الْمُكَلّفين جَمِيعًا، وَلَا قَلِيلا جدا، فَلَا يُفِيد لَهُم مَا أُرِيد من الصَّلَاة، وَقد علمت فِيمَا سبق أَن الْأَحَد عشر من بَين الْأَعْدَاد أشبههَا بالوتر الْحَقِيقِيّ، ثمَّ لما هَاجر النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتقر الْإِسْلَام، وَكثر أَهله، وتوفرت الرغبات فِي الطَّاعَة زيدت سِتّ رَكْعَات، وأبقيت صَلَاة السّفر على النمط الأول، وَذَلِكَ لِأَن الزِّيَادَة لَا يَنْبَغِي أَن تصل إِلَى مثل الشَّيْء أَو أَكْثَره،

وَكَانَ الْمُنَاسب أَن يَجْعَل نصف الأَصْل لَكِن لَيْسَ لأحد عشر نصف بِغَيْر كسر، فَبَدَا عددان خَمْسَة وَسِتَّة، وبالخمسة يصير عدد الرَّكْعَات شفعا غير وتر، فتعينت السِّتَّة، وَأما توزيع الرَّكْعَات على الْأَعْدَاد فمبني على آثَار الْأَنْبِيَاء السَّابِقين على مَا يذكر فِي الْأَخْبَار، وَأَيْضًا فالمغرب آخر الصَّلَاة من وَجه لِأَن الْعَرَب يعدون اللَّيَالِي قبل الْأَيَّام، فَنَاسَبَ أَن يكون الْوَاحِد الْوتر للركعات فِيهَا ووقتها ضيق فَلَا تناسب زِيَادَة مَا زيد فِيهَا آخرا، وَوقت الْفجْر وَقت نوم وكسل فَلم يزِيد فِي عدد الرَّكْعَات، وَزَاد فِيهَا اسْتِحْبَاب طول الْقِرَاءَة لمن أطاقه، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى:

<<  <  ج: ص:  >  >>