وَلما كَانَ مُقْتَضى الْعقل فِي غلواء الطبيعة البشرية التَّصْدِيق بِأُمُور ترد عَلَيْهِ مناسباتها صَار من مُقْتَضَاهُ بعد تهذيبه الْيَقِين بِمَا جَاءَ بِهِ الشَّرْع كَأَنَّهُ يُشَاهد كل ذَلِك عيَانًا كَمَا أخبر زيد بن حَارِثَة حِين قَالَ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لكل حق حَقِيقَة فَمَا حَقِيقَة إيمانك؟ فَقَالَ كَأَنِّي أنظر إِلَى عرش الرَّحْمَن بارزا ".
وَلما كَانَ مُقْتَضَاهُ أَيْضا معرفَة الْأَسْبَاب لما يحدث من نعْمَة ونقمة صَار من مُقْتَضَاهُ بعد تهذيبه التَّوَكُّل، وَالشُّكْر، وَالرِّضَا، والتوحيد
وَلما كَانَ من مُقْتَضى الْقلب فِي أصل الطبيعة محبَّة الْمُنعم المربى وبغض المنافر الشانئ. وَالْخَوْف عَمَّا يُؤْذِيه. والرجاء لما يَنْفَعهُ كَانَ مُقْتَضَاهُ بعد التَّهْذِيب محبَّة الله تَعَالَى وَالْخَوْف من عَذَابه ورجاء ثَوَابه، وَلما كَانَ من مُقْتَضى النَّفس فِي غلواء طبيعتها والانهماك فِي الشَّهَوَات والدعة كَانَ صفتهَا عِنْد تهذيبها التَّوْبَة والزهد وَالِاجْتِهَاد،