للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَمَا يرى، أَو الْمَاضِيَة على مَا هِيَ عَلَيْهِ، أَو رُؤْيَة مَا ينبهه على تَقْصِيره بِأَن يرى غَضَبه فِي صُورَة كلب يعضه، أَو رُؤْيَة الْأَنْوَار والطيبات من الرزق كشرب اللَّبن وَالْعَسَل وَالسمن، أَو رُؤْيَة الْمَلَائِكَة، وَالله أعلم.

وَمِنْهَا وجدان حلاوة الْمُنَاجَاة وَانْقِطَاع حَدِيث النَّفس، قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

" من صلى رَكْعَتَيْنِ لَا يحدث فيهمَا نَفسه غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه ".

وَمِنْهَا المحاسبة وَهِي تتولد من بَين الْعقل المتنور بِنور الْإِيمَان وَالْجمع الَّذِي هُوَ أول مقامات الْقلب، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

" الْكيس من دَان نَفسه، وَعمل لما بعد الْمَوْت " وَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ فِي خطبَته: حاسبوا أَنفسكُم قبل أَن تحاسبوا، وزنوها قبل أَن توزنوا وتتزينوا للعرض الْأَكْبَر على الله تَعَالَى، يَوْمئِذٍ تعرضون لَا تخفى مِنْكُم خافية.

وَمِنْهَا الْحيَاء وَهُوَ غير الْحيَاء الَّذِي هُوَ من مقامات النَّفس، ويتولد من رُؤْيَة عزة الله تَعَالَى وجلاله، وَمَعَ مُلَاحظَة عَجزه عَن الْقيام بِحقِّهِ وتلبسه بالأدناس البشرية، قَالَ عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ: إِنِّي لاغتسل فِي الْبَيْت المظلم، فأنطوي حَيَاء من الله تَعَالَى.

وَأما المقامات الْمُتَعَلّقَة فِي الْقلب فأولها الْجمع، وَهُوَ أَن يكون أَمر الْآخِرَة هُوَ الْمَقْصُود الَّذِي يهتم بِهِ، وَيكون أَمر الدُّنْيَا هينا عِنْده لَا يَقْصِدهُ، وَلَا لتفت إِلَيْهِ إِلَّا بِالْعرضِ من جِهَة أَن يكون بلغَة لَهُ إِلَى مَا هُوَ سَبيله، وَالْجمع هُوَ الَّذِي يُسَمِّيه الصُّوفِيَّة فِي بالإرادة.

قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

من جعل همه هما وَاحِدًا هم الْآخِرَة كَفاهُ الله همه، وَمن تشعبت بِهِ الهموم لم يبال الله فِي أَي أَوديَة هلك ".

أَقُول: همة الْإِنْسَان لَهَا خاصية مثل خاصية الدُّعَاء فِي قرع بَاب الْجُود، بل هِيَ مخ الدُّعَاء وخلاصته، فَإِذا تجردت همته لمرضيات الْحق كَفاهُ الله تَعَالَى، فَإِذا حصل جمع الهمة، وواظب على الْعُبُودِيَّة ظَاهرا وَبَاطنا أنتج ذَلِك فِي قلبه محبَّة الله ومحبة رَسُوله، وَلَا يزِيد بالمحبة الْإِيمَان بِأَن الله تَعَالَى مَالك الْملك، وَأَن الرَّسُول صَادِق مَبْعُوث من قبله إِلَى الْخلق فَقَط، بل هِيَ حَاله شَبيهَة بِحَالَة الظمآن بِالنِّسْبَةِ إِلَى المَاء والجائع بِالنِّسْبَةِ إِلَى الطَّعَام، وتنشأ الْمحبَّة من امتلاء الْعقل بِذكر الله والتفكر فِي جَلَاله وترشح نور الْإِيمَان من الْعقل إِلَى الْقلب وتلقي الْقلب ذَلِك النُّور بِقُوَّة مجبولة فِيهِ.

قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثَلَاث من كن فِيهِ وجد حلاوة الْإِيمَان، من كَانَ الله وَرَسُوله أحب إِلَيْهِ مَا سواهُمَا " الحَدِيث، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دُعَائِهِ:

" اللَّهُمَّ اجْعَل حبك احب إِلَيّ من نَفسِي

<<  <  ج: ص:  >  >>