للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَقُول: إِذا تَوَجَّهت الْعِنَايَة آلالهية إِلَى محبَّة هَذَا العَبْد انعكست محبته إِلَى الْمَلأ الْأَعْلَى بِمَنْزِلَة انعكاس ضوء الشَّمْس فِي المرايا الصقيلة، ثمَّ ألهم الْمَلأ السافل محبته، ثمَّ من استعد لذَلِك من أهل الأَرْض كَمَا تتشرب الأَرْض الرخوة الندى من بركَة المَاء.

وَمِنْهَا خذلان أعدائه، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن ربه تبَارك وَتَعَالَى: " من عَاد لي وليا فقد آذنته بِالْحَرْبِ ". أَقُول: إِذا انعكست محبته فِي مرايا نفوس الْمَلأ الْأَعْلَى، ثمَّ خالفها مُخَالف فِي من اهل الأَرْض أحست الْمَلأ الْأَعْلَى بِتِلْكَ الْمُخَالفَة كَمَا يحس أَحَدنَا حرارة الْجَمْرَة إِذا وَقعت قدمه عَلَيْهَا، فَخرجت من نُفُوسهم أشعة تحيط بِهَذَا الْمُخَالف من قبيل النفرة والشنآن فَعِنْدَ ذَلِك يخذل، ويضيق عَلَيْهِ، ويلهم الْمَلأ السافل وَأهل الأَرْض أَن يسيئوا إِلَيْهِ، وَذَلِكَ حربه تَعَالَى إِيَّاه.

وَمِنْهَا إِجَابَة وسؤاله وإعاذته مِمَّا استعاذ مِنْهُ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن ربه تبَارك وَتَعَالَى: " وَإِن سَأَلَني لأعطينه، وَإِن استعاذني لأعيذنه ". أَقُول: وَذَلِكَ لدُخُوله فِي حَظِيرَة الْقُدس حَيْثُ يقْضِي بالحوادث، فدعاؤه واستعاذته يرتقي هُنَاكَ، وَيكون سَببا لنزول الْقَضَاء، وَفِي آثَار الصَّحَابَة شَيْء كثير من بَاب استجابه الدُّعَاء، وَمن جملَة ذَلِك مَا وَقع لسعد حِين دَعَا على أبي سعدة: اللَّهُمَّ إِن كَانَ عَبدك هَذَا كَاذِبًا قَامَ رِيَاء، وَسُمْعَة، فأطل عمره، وأطل فقره، وَعرضه للفتن فَكَانَ كَمَا قَالَ، وَمَا وَقع لسَعِيد حِين دَعَا على أروى بنت أَوْس: اللَّهُمَّ إِن كَانَت كَاذِبَة فاعم بصرها، واقتلها فِي أرْضهَا، فَكَانَ كَمَا قَالَ.

وَمِنْهَا فناؤه عَن نَفسه وبقاؤه بِالْحَقِّ؛ وَهُوَ الْمعبر عَنهُ عِنْد الصُّوفِيَّة بِغَلَبَة

كَون الْحق على كَون العَبْد، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن ربه تبَارك وَتَعَالَى. " وَمَا يزَال عَبدِي يتَقرَّب إِلَيّ بالنوافل حَتَّى أحبه فَإِذا أحببته كنت سَمعه الَّذِي يسمع بِهِ وبصره الَّذِي يبصر بِهِ وَيَده الَّتِي يبطش بهَا " أَقُول: إِذا غشى نور الله نفس هَذَا العَبْد من جِهَة قوته العملية المنبثة فِي بدنه دخلت شُعْبَة من هَذَا النُّور فِي جَمِيع قوامه، فَحدثت هُنَالك بَرَكَات لم تكن تعهد فِي مجْرى الْعَادة، فَعِنْدَ ذَلِك ينْسب الْفِعْل إِلَى الْحق بِمَعْنى من مَعَاني النِّسْبَة كَمَا قَالَ تَعَالَى:

{فَلم تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِن الله قَتلهمْ وَمَا رميت إِذْ رميت وَلَكِن الله رمى} .

وَمِنْهَا تَنْبِيه الله تَعَالَى إِيَّاه بالمؤاخذة من على ترك بعض الْآدَاب وبقبول الرُّجُوع مِنْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>