إِلَى الْأَدَب كَمَا وَقع للصديق حِين غاضب أضيافه، ثمَّ علم أَن ذَلِك من الشَّيْطَان، فراجع الْأَمر الْمَعْرُوف، فبورك فِي طَعَامه.
وَمن مقامات الْقلب مقامان يختصان بالنفوس المتشبهة بالأنبياء عَلَيْهِم الصَّلَوَات والتسليمات ينعكسان عَلَيْهَا كَمَا ينعكس ضوء الْقَمَر بِإِزَاءِ مرْآة مَوْضُوعَة على كوَّة مَفْتُوحَة، ثمَّ ينعكس ضوؤها على الجدران والسقف وَالْأَرْض وهما بِمَنْزِلَة الصديقية والمحدثية، إِلَّا أَن ذَيْنك تستقران فِي الْقُوَّة الْعَقْلِيَّة من فِي نُفُوسهم. وَهَذَا فِي الْقُوَّة العملية المنبجسة من الْقلب، وهما مقَاما الشَّهِيد، والحواري، وَالْفرق بَينهمَا أَن الشَّهِيد تقبل نَفسه غَضبا وَشدَّة على الْكفَّار ونصرة للدّين من مَوَاطِن من موطن الملكوت هيأ الْحق فِيهِ إِرَادَة الانتقام من العصاة ينزل من هُنَالك على الرَّسُول، ليَكُون الرَّسُول جارحة من جوارح الْحق فِي ذَلِك، فَتقبل نُفُوسهم من هُنَاكَ كَمَا ذكرنَا فِي المحدثية، والحواري من خلصت محبته للرسول، وطالت صحبته مَعَه، واتصلت
قرَابَته بِهِ، فَأوجب ذَلِك انعكاس نصر دين الله من قلب النَّبِي على قلبه، قَالَ الله تَعَالَى:
{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا كونُوا أنصار الله كَمَا قَالَ عِيسَى ابْن مَرْيَم للحواريين من أَنْصَارِي إِلَى الله قَالَ الحواريون نَحن أنصار الله فآمنت طَائِفَة} .
وَقد بشر النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزبير بِأَنَّهُ حوارِي.
والشهيد. والحواري أَنْوَاع وَشعب، مِنْهُم الْأمين، وَمِنْهُم الرفيق، وَمِنْهُم النجباء والنقباء وَقد نوه النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فَضَائِل الصَّحَابَة بِشَيْء كثير من هَذِه الْمعَانِي، عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إِن لكل نَبِي سَبْعَة نجباء رقباء، وَأعْطيت أَنا أَرْبَعَة عشر قُلْنَا: من هم؟ قَالَ: أَنا، وابناي، وجعفر، وَحَمْزَة، وَأَبُو بكر، وَعمر، وَمصْعَب بن عُمَيْر، وبلال، وسلمان، وعمار، وَعبد الله بن مَسْعُود، وَأَبُو ذَر، والمقداد " وَقَالَ الله:
{لِتَكُونُوا شُهَدَاء على النَّاس وَيكون الرَّسُول عَلَيْكُم شَهِيدا} .
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" اثْبتْ أحد فَإِنَّمَا عَلَيْك نَبِي أَو صديق أَو شَهِيد.
وَمن أَحْوَال الْقلب السكر، وَهُوَ أَن يتشبح نور الْإِيمَان فِي الْعقل، ثمَّ فِي الْقلب حَتَّى تفوته مصَالح الدُّنْيَا، وَحَتَّى يجب مَا لَا يُحِبهُ الْإِنْسَان فِي مجْرى
طَبِيعَته، فَيكون شَبِيها فِي بالسكران الْمُتَغَيّر عَن سنَن عقله وعاداته كَمَا قَالَ أَبُو الدَّرْدَاء: أحب الْمَوْت اشتياقا إِلَى رَبِّي، وَأحب الْمَرَض مكفرا لخطيئتي، وَأحب الْفقر تواضعا لرَبي، وكما يُؤثر عَن أبي ذَر