للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كراهيته لِلْمَالِ بطبعه وشنآنه الْغنى والثروة مثل كَرَاهِيَة الْأُمُور المستقذرة، وَلَيْسَ فِي مجْرى الْعَادة البشرية حب هَذَا الْقَبِيل وكراهيته، ذَلِك الْقَبِيل ولكنهما غلب عَلَيْهِمَا الْيَقِين حَتَّى خرجا من مجْرى الْعَادة.

وَمن أَحْوَال الْقلب الْغَلَبَة، وَالْغَلَبَة غلبتان: غَلَبَة دَاعِيَة منبجسة من قلب الْمُؤمن حِين خالطه نور الْإِيمَان، فطفح طفاحة مُتَوَلّدَة من ذَلِك النُّور وَمن جبلة الْقلب، فَصَارَت داعيه وخاطرا لَا يَسْتَطِيع الْإِمْسَاك عَن مُوجبهَا وَافَقت مَقْصُود الشَّرْع أَو لَا، وَذَلِكَ لِأَن الشَّرْع يُحِيط بمقاصد كَثِيرَة لَا يُحِيط بهَا قلب هَذَا الْمُؤمن فَرُبمَا ينقاد قلبه إِلَى للرحمة مثلا، وَقد نهى الشَّرْع عَنْهَا فِي بعض الْمَوَاضِع، قَالَ تَعَالَى:

{وَلَا تأخذكم بهما رأفة فِي دين الله} .

وَرُبمَا ينقاد قلبه للبغض.

وَقد قصد الشَّرْع اللطف مثل أهل الذِّمَّة، وَمِثَال هَذِه الْغَلَبَة مَا جَاءَ فِي الحَدِيث عَن أبي لبَابَة بن الْمُنْذر حِين استشاره بَنو قُرَيْظَة لما اسْتَنْزَلَهُمْ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على حكم سعد بن معَاذ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى حلقه أَنه الذّبْح، ثمَّ نَدم على ذَلِك، وَعلم أَنه قد خَان الله وَرَسُوله، مانطلق على وَجهه حَتَّى ارْتبط نَفسه فِي الْمَسْجِد على عمد من عمده، وَقَالَ. لَا أَبْرَح مَكَاني هَذَا حَتَّى يَتُوب الله تَعَالَى على مِمَّا صنعت، وَعَن عمر أَنه غلبت عَلَيْهِ حمية الْإِسْلَام حِين

اعْترض على رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أَن أَرَادَ أَن يُصَالح الْمُشْركين عَام الْحُدَيْبِيَة فَوَثَبَ حَتَّى أَتَى أَبَا بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: أَلَيْسَ برَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: بلَى، قَالَ أَلسنا بِالْمُسْلِمين؟ قَالَ: بلَى، قَالَ: أَلَيْسُوا بالمشركين؟ قَالَ: بلَى، قَالَ: فعلام نعطي الدنية فِي دنينا؟ فَقَالَ أَبُو بكر: يَا عمر الزم غَزوه فَإِنِّي أشهد أَنه رَسُول الله، ثمَّ غلب عَلَيْهِ مَا يجد حَتَّى أَتَى رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ مثل مَا قَالَ لأبي بكر، وأجابه النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَجَابَهُ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ حَتَّى قَالَ: أَنا عبد الله وَرَسُوله لن أُخَالِف أمره، وَلنْ يضيعني، قَالَ: وَكَانَ عمر يَقُول: فَمَا زلت أَصوم، وأتصدق وَأعْتق، وأصلي من الَّذِي صنعت يَوْمئِذٍ مَخَافَة كَلَامي الَّذِي تَكَلَّمت بِهِ حَتَّى رَجَوْت أَن يكون خيرا، وَعَن أبي طيبَة الْجراح حِين حجم النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشرب دَمه وَذَلِكَ مَحْظُور فِي الشَّرِيعَة وَلكنه فعله فِي حَال الْغَلَبَة، فعذره النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهُ:

" قد احتظرت بحظائر من النَّار ".

وَغَلَبَة أُخْرَى أجل من هَذِه وَأتم، وَهِي غَلَبَة دَاعِيَة إلهية تنزل على قلبه، فَلَا يَسْتَطِيع

<<  <  ج: ص:  >  >>