للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَمِنْهَا أَن يكون فِيهِ التَّدْلِيس على المُشْتَرِي، قَالَ رَسُول الله:

" لَا تصروا الْإِبِل وَالْغنم، فَمن ابتاعها بعد ذَلِك فَهُوَ بِخَير النظرين بعد أَن يحلبها، إِن رضيها أمْسكهَا، وَإِن سخطها ردهَا وصاعا من تمر - ويروى صَاعا من طَعَام - لَا سمراء ".

أَقُول: التصرية جمع اللَّبن فِي الضَّرع ليتخيل المُشْتَرِي غزارته، فيغتر، وَلما كَانَ أقرب شبهه بِخِيَار الْمجْلس أَو الشَّرْط لِأَن عقد البيع كَأَنَّهُ مَشْرُوط بغزارة اللَّبن لم يَجْعَل من بَاب الضَّمَان بالخراج، ثمَّ لما كَانَ قدر اللَّبن وَقِيمَته بعد إهلاكه وإتلافه مُتَعَذر الْمعرفَة جدا لَا سِيمَا عِنْد تشاكس الشُّرَكَاء وَفِي مثل البدو وَجب أَن يضْرب لَهُ حد معتدل بِحَسب المظنة الغالبية يقطع بِهِ النزاع، وَلبن النوق فِيهِ زهومة وَيُوجد رخيصا، وَلبن الْغنم طيب، وَيُوجد غَالِبا، فَجعل حكمهَا وَاحِدًا، فَتعين أَن يكون صَاعا من أدنى جنس يقتاتون بِهِ كالتمر فِي الْحجاز. وَالشعِير. والذرة عندنَا لَا من الْحِنْطَة والأرز فانهما أغْلى الأقوات وأعلاها، وَاعْتذر بعض من لم يوفق للْعَمَل بِهَذَا

الحَدِيث بِضَرْب قَاعِدَة من عِنْد نَفسه، فَقَالَ. كل حَدِيث لَا يرويهِ إِلَّا غير فَقِيه إِذا إنسد بَاب الرَّأْي فِيهِ يتْرك الْعَمَل بِهِ، وَهَذِه الْقَاعِدَة على مَا فِيهَا لَا تنطبق على صورتنا هَذِه لِأَنَّهُ أخرجه البُخَارِيّ عَن ابْن مَسْعُود أَيْضا، وناهيك بِهِ، وَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة سَائِر الْمَقَادِير الشَّرْعِيَّة يدْرك الْعقل حسن تَقْدِير مَا فِيهِ، وَلَا يسْتَقلّ بِمَعْرِِفَة حِكْمَة هَذَا الْقدر خَاصَّة اللَّهُمَّ إِلَّا عقول الراسخين فِي الْعلم.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صبرَة طَعَام داخلها بَلل:

" أَفلا جعلته فَوق الطَّعَام حَتَّى يرَاهُ النَّاس، فَمن غش فَلَيْسَ مني ".

وَمِنْهَا أَن يكون الشَّيْء مُبَاح الأَصْل كَالْمَاءِ الْعد فيتغلب ظَالِم عَلَيْهِ، فيبيعه وَذَلِكَ تصرف فِي مَال الله من غير حق وإضرار بِالنَّاسِ وَلذَلِك نهى النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن بيع فضل المَاء ليباع بِهِ الْكلأ أَقُول: هُوَ أَن يتغلب رجل على عين أَو وَاد، فَلَا يدع أحد يسْقِي مِنْهُ مَاشِيَة إِلَّا بِأَجْر، فَإِنَّهُ يُفْضِي إِلَى بيع الْكلأ الْمُبَاح يَعْنِي يصير الرَّعْي من ذَلِك بِإِزَاءِ مَال، وَهَذَا بَاطِل لِأَن المَاء والكلأ مباحان، وَهُوَ وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام: " فَيَقُول الله الْيَوْم أمنعك فضلي كَمَا منعت فضل مَا لم تعْمل يداك ".

وَقيل: يحرم بيع المَاء الْفَاضِل عَن حَاجته لمن أَرَادَ الشّرْب أَو سقِِي الدَّوَابّ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

" الْمُسلمُونَ شُرَكَاء فِي ثَلَاث فِي المَاء والكلأ وَالنَّار "

<<  <  ج: ص:  >  >>