وَأَيْضًا فَإِن الاصطحاب فِي هَذِه الْقَرَابَة لَازم، والستر مُتَعَذر، والتحاسد شنيع، والحاجات من الْجَانِبَيْنِ متنازعة، فَكَانَ أمرهَا بِمَنْزِلَة الْأُمَّهَات وَالْبَنَات أَو بِمَنْزِلَة الْأُخْتَيْنِ.
وَمِنْهَا الْعدَد الَّذِي لَا يُمكن الْإِحْسَان إِلَيْهِ من الْعشْرَة الزَّوْجِيَّة فَإِن النَّاس كثيرا مَا يرغبون فِي جمال النِّسَاء، ويتزوجون مِنْهُنَّ ذَوَات عدد، ويستأثرون مِنْهَا حظية، ويتركون الْأُخَر كالمعلقة، فَلَا هِيَ مُزَوّجَة حظية تقر عينهَا، وَلَا هِيَ أيم يكون أمرهَا بِيَدِهَا، وَلَا يُمكن أَن يضيق فِي ذَلِك كل تضييق، فَإِن من النَّاس من لَا يحصنه فرج وَاحِد، وَأعظم الْمَقَاصِد التناسل، وَالرجل
يَكْفِي لتلقيح عدد كثير من النِّسَاء، وَأَيْضًا فالاكثار من النِّسَاء شِيمَة الرِّجَال وَرُبمَا يحصل بِهِ المباهاة، فَقدر الشَّارِع بِأَرْبَع، وَذَلِكَ أَن الْأَرْبَع عدد يُمكن لصاحبة أَن يرجع إِلَى كل وَاحِدَة بعد ثَلَاثَة لَيَال، وَمَا دون لَيْلَة لَا يُفِيد فَائِدَة الْقسم، وَلَا يُقَال فِي ذَلِك: بَات عِنْدهَا، وَثَلَاث أول حد كَثْرَة وَمَا فَوْقهَا زِيَادَة الْكَثْرَة، وَكَانَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن ينْكح مَا شَاءَ وَذَلِكَ لِأَن ضرب هَذَا الْحَد إِنَّمَا هُوَ لدفع مفْسدَة غالبية دَائِرَة على مَظَنَّة لَا لدفع مفْسدَة عَيْنِيَّة حقيقيه، وَالنَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد عرف المئة فَلَا حَاجَة لَهُ فِي المظنة وَهُوَ مامون فِي طَاعَة الله وامتثال أمره دون سَائِر النَّاس.
وَمِنْهَا اخْتِلَاف الدّين؛ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى:
{وَلَا تنْكِحُوا الْمُشْركين حَتَّى يُؤمنُوا} . الْآيَة
وَقد بَين فِي هَذِه الْآيَة أَن الْمصلحَة المرعية فِي هَذَا الحكم هُوَ أَن صُحْبَة الْمُسلمين مَعَ الْكفَّار وجريان الْمُوَاسَاة فِيمَا بَين الْمُسلمين وَبينهمْ لَا سِيمَا على وَجه الازدواج مفْسدَة للدّين سَبَب لآن يدب فِي قلبه الْكفْر من حَيْثُ يشْعر وَمن حَيْثُ لَا يشْعر، وَأَن الْيَهُود. وَالنَّصَارَى يتقيدون بشريعة سَمَاوِيَّة قَائِلُونَ بأصول قوانين التشريع وكلياته دون الْمَجُوس وَالْمُشْرِكين فمفسدة صحبتهم خَفِيفَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيرهم، فَإِن الزَّوْج قاهر على الزَّوْجَة قيم عَلَيْهَا وَإِنَّمَا الزَّوْجَات عوان بِأَيْدِيهِم، فَإِذا تزوج الْمُسلم الْكِتَابِيَّة خف الْفساد، فَمن حق هَذَا أَن يرخص فِيهِ، وَلَا يشدد كتشديد سَائِر أَخَوَات الْمَسْأَلَة.
وَمِنْهَا كَون الْمَرْأَة أمة لآخر، فَإِنَّهُ لَا يُمكن تحصين فرجهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى سَيِّدهَا، وَلَا اخْتِصَاصه بهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ إِلَّا من جِهَة التَّفْوِيض إِلَى دينه
وأمانته، وَلَا جَائِز أَن يسد سَيِّدهَا عَن استخدامها والتخلي بهَا فَإِن ذَلِك تَرْجِيح أَضْعَف الْملكَيْنِ على أقواهما فَإِن هُنَالك ملكَيْنِ: ملك الرَّقَبَة. وَملك الْبضْع، وَالْأول هُوَ الْأَقْوَى الْمُشْتَمل على الآخر المستتبع لَهُ، وَالثَّانِي هُوَ الضَّعِيف المندرج، وَفِي اقتضاب الْأَدْنَى للأعلى قلب الْمَوْضُوع وَعدم الِاخْتِصَاص بهَا، وَعدم إِمْكَان ذب الطامع فِيهَا هُوَ أصل الزِّنَا، وَقد اعْتبر انبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute