للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كاملان، وَرخّص فِيمَا دون ذَلِك بِشَرْط تشَاور مِنْهُمَا، إِذْ كثيرا مَا يكون الْوَلَد بِحَيْثُ يقدر على التغذى قبلهَا، وَلكنه يحْتَاج إِلَى اجْتِهَاد وتحر وهما أرْفق النَّاس بِهِ وأعلمهم بسريرته، ثمَّ حرم المضادة من الْجَانِبَيْنِ لِأَنَّهُ

تضييق يُفْضِي إِلَى نُقْصَان التعاون فَإِن احتاجوا إِلَى الاسترضاع لضعف الوالدة أَو مَرضهَا، أَو تكون قد وَقعت بَينهمَا فرقة لَا تلائمه وَنَحْو ذَلِك من الْأَسْبَاب فَلَا جنَاح فِيهِ، وَيجب عِنْد ذَلِك إِيفَاء الْحق من الْجَانِبَيْنِ.

" قيل يَا رَسُول الله مَا يذهب عني مذمة الرَّضَاع؟ قَالَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

" غرَّة عبد أَو أمة ". اعْلَم أَن الْمُرْضع أم بعد الْأُم الْحَقِيقِيَّة، وبرها وَاجِب بعد بر الْأُم حَتَّى أَن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسط رِدَاءَهُ لمرضعة إِكْرَاما لَهَا، وَرُبمَا لَا ترْضى بِمَا يهديه إِلَيْهَا وَإِن كثر، وَرُبمَا يستكثر الَّذِي رضع الْقَلِيل الَّذِي يمنحها، وَيكون فِي ذَلِك الِاشْتِبَاه، فَسئلَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن حد يضر بِهِ، فَضرب الْغرَّة حدا، وَذَلِكَ أَن الْمُرْضع إِنَّمَا أَثْبَتَت حَقًا فِي ذمَّته لأجل إِقَامَة بنيته وتصييرها إِيَّاه إنْسَانا كَامِلا وَلأَجل حضانته ومقاساة التَّعَب فِيهِ، فَيكون الْجَزَاء الْوِفَاق أَن يمنحها إنْسَانا يكون بِمَنْزِلَة جوارحه فِيمَا يُرِيد من ارتفاقاته، ويتحمل عَنْهَا مُؤنَة عَملهَا، وَهُوَ حد استحبابي لَا ضَرُورِيّ.

وَقَالَت هِنْد: " إِن أَبَا سُفْيَان رجل شحيح لَا يعطيني إِلَّا أَن آخذ من مَاله بِغَيْر إِذْنه، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خذي مَا يَكْفِيك وولدك بِالْمَعْرُوفِ " أَقُول: لما كَانَت نَفَقَة الْوَلَد وَالزَّوْجَة يعسر ضَبطهَا فوضها النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهَا، وأكد اشْتِرَاط أَخذهَا بِالْمَعْرُوفِ، وأهمل الرُّجُوع إِلَى الْقُضَاة مثلا لِأَنَّهُ عسير عِنْد ذَلِك.

قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

" مروا أَوْلَادكُم بِالصَّلَاةِ " الحَدِيث. وَقد مر أسراره فِيمَا سبق.

وَاخْتلفت قضاياه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الأحق بالحضانة عِنْد المشاجرة

مِنْهُمَا، لِأَنَّهُ إِنَّمَا ينظر إِلَى الأرفق بِالْوَلَدِ وَالِديهِ، وَلَا ينظر إِلَى من يُرِيد المضارة، وَلَا يلْتَفت إِلَى الْمصلحَة، فَإِن الْحَسَد والضرار غير مُتبع، فَجَاءَتْهُ مرّة امْرَأَة، وَقَالَت: يَا رَسُول الله إِن أبني هَذَا كَانَ بَطْني لَهُ وعَاء وثدي لَهُ سقاء، وحجري لَهُ حَوَّاء، وان أَبَاهُ طَلقنِي وَأَرَادَ أَن يَنْزعهُ مني، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. " أَنْت أَحَق بِهِ مَا لم تنكحي ".

أَقُول: وَذَلِكَ لِأَن الْأُم أهْدى للحضانة وأرفق بِهِ، فَإِذا نكحت كَانَت كالمملوكة تَحْتَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ أَجْنَبِي لَا يحسن إِلَيْهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>