للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالسَّبَب الْمُقْتَضِي لهَذَا أَن الْحق الَّذِي أظهره الله على لِسَان نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا جَاءَ بِلِسَان قُرَيْش وَفِي عاداتهم، وَكَانَ أَكثر مَا تعين من الْمَقَادِير وَالْحُدُود مَا هُوَ عِنْدهم، وَكَانَ الْمعد لكثير من الْأَحْكَام مَا هُوَ فيهم، فهم أقوم بِهِ وَأكْثر النَّاس تمسكا بذلك، وَأَيْضًا فَإِن قُريْشًا قوم النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحزبه، وَلَا فَخر لَهُم إِلَّا بعلو دين مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقد اجْتمع فيهم حمية دينيه وحمية نسبيه، فَكَانُوا مَظَنَّة الْقيام

بالشرائع والتمسك بهَا، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يجب أَن يكون الْخَلِيفَة مِمَّن لَا يستنكف النَّاس من طَاعَته لجلالة نسبه وحسبه، فَإِن من نسب لَهُ يرَاهُ النَّاس حَقِيرًا ذليلا، وان يكون مِمَّن عرف مِنْهُم الرياسات والشرف، ومارس قومه جمع الرِّجَال وَنصب الْقِتَال، وَأَن يكون قومه أقوياء يحمونه، وينصرونه، ويبذلون دونه الْأَنْفس، وَلم تَجْتَمِع هَذِه الْأُمُور إِلَّا فِي قُرَيْش لَا سِيمَا بعد مَا بعث النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنبهَ بِهِ أَمر قُرَيْش.

وَقد أَشَارَ أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ إِلَى هَذِه فَقَالَ: وَلنْ يعرف هَذَا الْأَمر إِلَّا بِقُرَيْش هم أَوسط الْعَرَب دَارا الخ.

وَإِنَّمَا لم يشْتَرط كَونه هاشميا مثلا لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا أَلا يَقع النَّاس فِي الشَّك، فيقولوا إِنَّمَا أَرَادَ ملك أهل بَيته كَسَائِر الْمُلُوك فَيكون سَببا للارتداد ولهذه الْعلَّة لم يُعْط النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِفْتَاح لعباس بن عبد الْمطلب رَضِي الله عَنهُ.

وَالثَّانِي أَن المهم فِي الْخلَافَة رضَا النَّاس بِهِ واجتماعهم عَلَيْهِ وتوقيرهم إِيَّاه وَأَن يُقيم الْحُدُود، ويناضل دون الْملَّة، وَينفذ الأحكم، واجتماع هَذِه الْأُمُور لَا يكون إِلَّا فِي وَاحِد بعد وَاحِد، وَفِي اشْتِرَاط أَن تكون من قَبيلَة خَاصَّة تضييق وحرج فَرُبمَا لم يكن فِي هَذِه الْقَبِيلَة من تَجْتَمِع فِيهِ الشُّرُوط، وَكَانَ فِي غَيرهَا، ولهذه الْعلَّة ذهب الْفُقَهَاء إِلَى الْمَنْع عَن اشْتِرَاط كَون الْمُسلم فِيهِ من قَرْيَة صَغِيرَة وجوزوا كَونه من قَرْيَة كَبِيرَة.

وتنعقد الْخلَافَة بِوُجُوه: بيعَة أهل الْحل وَالْعقد من الْعلمَاء والرؤساء وأمراء الأجناد مِمَّن يكون لَهُ رأى ونصيحة للْمُسلمين، كَمَا انْعَقَدت خلَافَة أبي بكر رَضِي الله عَنهُ.

وَبِأَن يُوصي الْخَلِيفَة النَّاس بِهِ، كَمَا انْعَقَدت خلَافَة عمر رَضِي الله عَنهُ

أَو يَجْعَل شُورَى بَين قوم، كَمَا كَانَ انْعِقَاد خلَافَة عُثْمَان، بل عَليّ أَيْضا رَضِي الله عَنْهُمَا،

<<  <  ج: ص:  >  >>