للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْأَحَادِيث الَّتِي تدل على أَن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذا رخصت الْإِبِل خفض من الدِّيَة، وَإِذا غلت رفع مِنْهَا، فمعناها عِنْدِي أَنه كَانَ يقْضِي بذلك على أهل الْإِبِل خَاصَّة، وَأَنت إِن فتشت عَامَّة الْبِلَاد وَجَدتهمْ ينقسمون إِلَى أهل تِجَارَات وأموال وهم أهل الْحَضَر، وَأهل رعي، وهم أهل البدو لَا يجاوزهم حَال الْأَكْثَرين.

قَالَ الله تَعَالَى:

{وَمن قتل مُؤمنا خطأ فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة} . الْآيَة

أَقُول. إِنَّمَا وَجب فِي الْكَفَّارَة تَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة أَو إطْعَام سِتِّينَ مِسْكينا ليَكُون طَاعَة مكفرة لَهُ فِيمَا بَينه وَبَين الله فَإِن الدِّيَة مزجرة تورث فِيهِ النَّدَم بِحَسب تضييق النَّاس عَلَيْهِ، وَالْكَفَّارَة فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى.

قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

" لَا يحل دم امْرِئ مُسلم يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث. النَّفس بِالنَّفسِ.

وَالثَّيِّب الزَّانِي. والمفارق لدينِهِ التارك للْجَمَاعَة. " أَقُول. الأَصْل الْمجمع عَلَيْهِ فِي جَمِيع الْأَدْيَان أَنه إِنَّمَا يجوز الْقَتْل لمصْلحَة كُلية لَا تتأتى بِدُونِهِ، وَيكون تَركهَا اشد إفسادا مِنْهُ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى.

{والفتنة أَشد من الْقَتْل} .

وعندما تصدى النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للتشريع وَضرب الْحُدُود وَجب أَن يضْبط الْمصلحَة الْكُلية المسوغة للْقَتْل وَلَو لم يضْبط، وَترك سدى لقتل مِنْهُم قَاتل من لَيْسَ قَتله من الْمصلحَة الْكُلية ظنا أَنه مِنْهَا فضبط بِثَلَاث:

الْقصاص فَإِنَّهُ مزجرة، وَفِيه مصَالح كَثِيرَة قد أَشَارَ الله تَعَالَى إِلَيْهَا بقوله.

{وَلكم فِي الْقصاص حَيَاة يَا أولي الْأَلْبَاب} .

وَالثَّيِّب الزَّانِي لِأَن الزِّنَا من أكبر الْكَبَائِر فِي جَمِيع الْأَدْيَان، وَهُوَ من أصل مَا تَقْتَضِيه الجبلة الإنسانية، فَإِن الْإِنْسَان عِنْد سَلامَة مزاجه يخلق على الْغيرَة أَن يزاحمه أحد على موطوأته كَسَائِر الْبَهَائِم، إِلَّا أَن الْإِنْسَان اسْتوْجبَ أَن يعلم مَا بِهِ إصْلَاح النظام فِيمَا بَينهم، فَوَجَبَ عَلَيْهِم ذَلِك.

وَالْمُرْتَدّ اجترأ على الله وَدينه، وناقض الْمصلحَة المرعية فِي نصب الدّين وَبعث الرُّسُل.

وَأما مَا سوى هَؤُلَاءِ الثَّلَاث مِمَّا ذهبت إِلَيْهِ الْأمة مثل الصَّائِل. وَمثل الْمُحَارب من غير أَن يقتل أحدا عِنْد من يَقُول بالتخيير بَين أجزية الْمُحَارب فَيمكن إرجاعه إِلَى أحد هَذِه الْأُصُول.

<<  <  ج: ص:  >  >>