على أَهلهَا، وَفِي مزاحمة النَّاس على موطوأة تَغْيِير الجبلة الإنسانية، وَهِي مَظَنَّة المقاتلات والمحاربات فِيمَا بَينهم، وَلَا يكون غَالِبا إِلَّا بِرِضا الزَّانِيَة وَالزَّانِي، وَفِي الخلوات حَيْثُ لَا يطلع عَلَيْهَا إِلَّا الْبَعْض، فَلَو لم يشرع فِيهَا حد وجيع لم يحصل الردع.
كالسرقة فَإِن الْإِنْسَان كثيرا مَا لَا يجد كسبا صَالحا، فينحدر إِلَى السّرقَة وَلها ضراوة فِي نُفُوسهم، وَلَا يكون الاختفاء بِحَيْثُ لَا يرَاهُ النَّاس بِخِلَاف الْغَصْب، فانه يكون باحتجاج وشبهة لَا يثبتها الشَّرْع، وَفِي تضاعيف معاملات بَينهمَا وعَلى أعين النَّاس فَصَارَ مُعَاملَة من الْمُعَامَلَات.
وكقطع الطَّرِيق فانه لَا يَسْتَطِيع الْمَظْلُوم ذبه عَن نَفسه وَمَاله، وَلَا يكون فِي بِلَاد الْمُسلمين وَتَحْت شوكتهم فيدفعوا، فَلَا بُد لمثله أَن يُزَاد فِي الْجَزَاء والعقوبة، وكشرب الْخمر فان لَهَا شَرها وفيهَا فَسَادًا فِي الأَرْض وزوالا لمسكة عُقُولهمْ الَّتِي بهَا صَلَاح معادهم ومعاشهم،
وكالقذف فان الْمَقْذُوف يتَأَذَّى أَذَى شَدِيدا، وَلَا يقدر على دَفعه بِالْقَتْلِ وَنَحْوه لِأَنَّهُ إِن قتل قتل بِهِ، وَإِن ضرب ضرب بِهِ، فَوَجَبَ فِي مثله زاجر عَظِيم.
ثمَّ الْحَد إِمَّا قتل وَهُوَ زجر لَا زجر فَوْقه، وَإِمَّا قطع وَهُوَ إيلام شَدِيد وتفويت قُوَّة لَا يتم الِاسْتِقْلَال بالمعيشة دونهَا طول عمره ومثو عَار ظَاهر أَثَره بمرأى النَّاس لَا يَنْقَضِي، فان النَّفس إِنَّمَا تتأثر من وَجْهَيْن؛ النَّفس الواغلة فِي البهيمية يمْنَعهَا الايلام كالبقر. والجمل وَالَّتِي فِيهَا حب الجاه يردعه الْعَار اللَّازِم لَهُ اشد من الايلام، فَوَجَبَ جمع هذَيْن الْوَجْهَيْنِ فِي الْحُدُود
وَدون ذَلِك إيلام بِضَرْب يضم مَعَه مَا فِيهِ عَار، ظهر أَثَره كالتغريب وَعدم قبُول الشَّهَادَة والتبكيت
وَاعْلَم أَنه كَانَ من شَرِيعَة من قبلنَا الْقصاص فِي الْقَتْل، وَالرَّجم فِي الزِّنَا وَالْقطع فِي السّرقَة، فَهَذِهِ الثَّلَاث كَانَت متوارثة فِي الشَّرَائِع السماوية وأطبق عَلَيْهَا جَمَاهِير الْأَنْبِيَاء والأمم، وَمثل هَذَا يجب أَن يُؤْخَذ عَلَيْهِ بالنواجذ، وَلَا يتْرك، وَلَكِن الشَّرِيعَة المصطفوية تصرفت فِيهَا بِنَحْوِ آخر، فَجعلت مزجرة كل وَاحِد على طبقتين: إِحْدَاهمَا الشَّدِيدَة الْبَالِغَة أقْصَى المبالغ، وَمن حَقّهَا أَن تجْعَل فِي الْمعْصِيَة الشَّدِيدَة، وَالثَّانيَِة دونهَا، وَمن حَقّهَا أَن تجْعَل فِيمَا كَانَت الْمعْصِيَة دونهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute