فَفِي الْقَتْل الْقود وَالدية وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله تَعَالَى:
{ذَلِك تَخْفيف من ربكُم}
قَالَ: ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: كَانَ فيهم الْقصاص وَلم يكن فيهم الدِّيَة.
وَفِي الزِّنَا الْجلد، وَكَانَ الْيَهُود لما ذهبت شوكتهم، وَلم يقدروا على الرَّجْم ابتدعوا التجبيه. والتشحيم فَصَارَ ذَلِك تحريفا لشريعتهم، فَجمعت لنا بَين شريعتي من قبلنَا السماوية والابتداعية، وَذَلِكَ غَايَة رَحْمَة الله بِالنِّسْبَةِ إِلَيْنَا
وَفِي السّرقَة الْعقُوبَة وغرامة مثلَيْهِ على مَا جَاءَ فِي الحَدِيث.
وَإِن حملت أَنْوَاع من الظُّلم عَلَيْهَا كالقذف. وَالْخمر فَجعلت لَهَا حدا فَإِن هَذِه أَيْضا بِمَنْزِلَة تِلْكَ الْمعاصِي وَإِن زَادَت فِي عُقُوبَة قطع الطَّرِيق.
وَاعْلَم أَن النَّاس على طبقتين - ولسياسة كل طبقَة وَجه خَاص _ طبقَة هم مستقلون، أَمرهم بأيدهم، وسياسة هَؤُلَاءِ أَن يؤخذوا على أعين النَّاس، ويوجعوا، وَيلْزم عَلَيْهِم عَار شَدِيد، ويهانوا، ويحقروا.
وطبقة هم بأيدي نَاس آخَرين أسراء عِنْدهم، وسياسة هَؤُلَاءِ أَن يُؤمر سادتهم أَن يحفظوهم عَن الشَّرّ، فَإِنَّهُ يظْهر لَهُم وَجه فِي حَبسهم عَن فعلهم ذَلِك، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إِذا زنت أمة أحدكُم فليضرب " الحَدِيث، وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام:
" إِذا سرق عبد أحدكُم فبيعوه وَلَو بنش " فضبطت الطبقتان بِوَصْف ظَاهر، فَالْأولى الْأَحْرَار وَالثَّانيَِة الارقاء.
ثمَّ كَانَ من السَّادة من يتَعَدَّى على عبيده، ويحتج بِأَنَّهُ زنى، أَو سرق، وَنَحْو ذَلِك، فَكَانَ الْوَاجِب فِي مثله أَن يشرع على الأرقاء دون مَا على الْأَحْرَار ليقطع هَذَا النَّوْع، وَألا يخيروا فِي الْقَتْل وَالْقطع، وَأَن يخيروا فِيمَا دون ذَلِك.
وَالْحَد يكون كَفَّارَة لأحد وَجْهَيْن، لِأَن العَاصِي إِمَّا أَن يكون منقادا لأمر الله وَحكمه، مُسلما وَجهه لله فالكفارة فِي حَقه تَوْبَة عَظِيمَة، وَدَلِيله حَدِيث
" لقد تَابَ تَوْبَة لَو قسمت على أمة مُحَمَّد لوسعتهم ".