وَإِمَّا أَن يكون إيلاما لَهُ وقسرا عَلَيْهِ، وسر ذَلِك أَن الْعَمَل يَقْتَضِي فِي حِكْمَة الله أَن يجازى فِي نَفسه أوماله، فَصَارَ مُقيم الْحَد خَليفَة الله فِي المجازاة فَتدبر.
قَالَ الله تَعَالَى:
{الزَّانِيَة وَالزَّانِي فاجلدوا كل وَاحِد مِنْهُمَا مائَة جلدَة} .
وَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: إِن الله بعث مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ، وَأنزل عَلَيْهِ الْكتاب، فَكَانَ مِمَّا أنزل الله آيَة الرَّجْم، رجم رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورجمنا بعده، وَالرَّجم فِي كتاب الله حق على من زنى إِذا أحصن من الرِّجَال وَالنِّسَاء.
أَقُول: إِنَّمَا جعل حد الْمُحصن الرَّجْم، وحد غير الْمُحصن الْجلد؛ لِأَنَّهُ كَمَا يتم التَّكْلِيف ببلوغ خمس عشر سنة أَو نَحوه، وَلَا يتم دون ذَلِك لعدم تَمام الْعقل وَتَمام الجثة وَكَونه من الرِّجَال فَلذَلِك يَنْبَغِي أَن تَتَفَاوَت الْعقُوبَة المترتبة على التَّكْلِيف بأتمية الْعقل وصيرورته رجلا كَامِلا مُسْتقِلّا بأَمْره مستبدا بِرَأْيهِ، وَلِأَن الْمُحصن كَامِل وَغير الْمُحصن نَاقص، فَصَارَ وَاسِطَة بَين الْأَحْرَار الكاملين وَبَين العبيد، وَلم يعْتَبر ذَلِك إِلَّا فِي الرَّجْم خَاصَّة لِأَنَّهُ أَشد عُقُوبَة شرعت فِي حق الله.
وَأما الْقصاص فَحق النَّاس وهم محتاجون، فَلَا يضيع حُقُوقهم.
وَأما حد السّرقَة وَغَيرهَا فَلَيْسَ بِمَنْزِلَة الرَّجْم وَلِأَن الْمعْصِيَة مِمَّن أنعم الله عَلَيْهِ وفضله على كثير من خلقه أقبح وأشنع لِأَنَّهَا اشد الكفران، فَكَانَ من حَقّهَا أَن يُزَاد فِي الْعقُوبَة لَهَا، وَإِنَّمَا جعل حد الْبكر مائَة جلدَة لِأَنَّهَا عدد كثير مضبوط يحصل بِهِ الزّجر والإيلام، وَإِنَّمَا عُوقِبَ بالتغريب لِأَن الْعقُوبَة المأثرة تكون على وَجْهَيْن: إيلام فِي الْبدن وإلحاق حَيَاء وخجالة وعار وفقد مألوف فِي النَّفس، وَالْأول عُقُوبَة جسمانية، وَالثَّانِي عُقُوبَة نفسانية، وَلَا تتمّ الْعقُوبَة إِلَّا بِأَن تجمع الْوَجْهَيْنِ: قَالَ الله تَعَالَى:
{فَإِذا أحصن فَإِن أتين بِفَاحِشَة فعليهن نصف مَا على الْمُحْصنَات من الْعَذَاب} .
أَقُول السِّرّ فِي تصنيف الْعقُوبَة على الارقاء أَنهم يُفَوض أَمرهم إِلَى