للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَقُول: اشْتبهَ هَذَا على النَّاس وظنوا مناقضا مَعَ رجمه الثّيّب وَعدم جلده، وَعِنْدِي أَنه لَيْسَ مناقضا لَهُ، وَأَن الْآيَة عَامَّة لَكِن يسن الإِمَام الِاقْتِصَار على الرَّجْم عِنْد وجوبهما، وَإِنَّمَا مثله مثل الْقصر فِي السّفر، فَإِنَّهُ لَو أتم جَازَ، لَكِن يسن لَهُ الْقصر، وَإِنَّمَا شرع ذَلِك لِأَن الرَّجْم عُقُوبَة عَظِيمَة، فتضمنت مَا دونهَا، وَبِهَذَا يجمع بَين قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا، وَعمل عَليّ رَضِي الله عَنهُ. وَبَين عمله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأكْثر خلفائه فِي الِاقْتِصَار على الرَّجْم، وَحَدِيث جَابر أَمر بِالْجلدِ، ثمَّ اخبر أَنه مُحصن، فَأمر بِهِ، فرجم يدل عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ مَا أقدم على الْجلد إِلَّا لجَوَاز مثله مَعَ كل زَان.

وَعِنْدِي أَن التَّرْغِيب يحْتَمل الْعَفو، وَبِه بِجمع بَين الْآثَار.

لما قَالَ مَاعِز بن مَالك زَنَيْت فطهرني، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَعَلَّك قبلت أَو غمزت أَو نظرت؟ قَالَ: لَا يَا رَسُول الله قَالَ: أنكتها؟ قَالَ: نعم فَعِنْدَ ذَلِك أَمر برجمه ".

أَقُول الْحَد مَوضِع الاحيتاط، وَقد يُطلق الزِّنَا على مَا دون الْفرج كَقَوْلِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فزنا اللِّسَان كَذَا وزنا الرجل كَذَا " فَوَجَبَ التثبت والتحقق فِي مثل ذَلِك.

وَاعْلَم أَن الْمقر على نَفسه بِالزِّنَا الْمُسلم نَفسه لإِقَامَة الْحَد تائب، والتائب كمن لَا ذَنْب لَهُ، فَمن حَقه أَلا يحد، لَكِن هُنَا وُجُوه مقتضية لإِقَامَة الْحَد عَلَيْهِ:

مِنْهَا أَنه لَو كَانَ إِظْهَار التَّوْبَة وَالْإِقْرَار درءا للحد لم يعجز كل زَان أَن يحتال إِذا استشعر بمؤاخذة الإِمَام بِأَن يعْتَرف، فيندرئ عَنهُ الْحَد، وَذَلِكَ مناقضة للْمصْلحَة.

وَمِنْهَا أَن التَّوْبَة لَا تتمّ إِلَّا أَن يعتضد بِفعل شاق عَظِيم لَا يَتَأَتَّى إِلَّا من مخلص، وَلذَلِك قَالَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَاعِز لما أسلم نَفسه للرجم: " لقد تَابَ تَوْبَة لَو قسمت بَين أمة مُحَمَّد لوسعتهم " وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام، فِي الغامدية " لقد تابت تَوْبَة تابها صَاحب مكس لغفر لَهُ ".

وَمَعَ ذَلِك فَيُسْتَحَب السّتْر عَلَيْهِ، وَهُوَ وَقَوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهزال " لَو كَسرته بثوبك لَكَانَ خيرا لَك "، وَأَن يُؤمر هُوَ أَن يَتُوب فِيمَا بَينه وَبَين الله، وَأَن يحتال فِي دَرْء الْحَد.

<<  <  ج: ص:  >  >>