التعذيب فِي بدن الْإِنْسَان وَيكون خُرُوج مزاجه عِنْد ذَلِك إِلَى مشابهة حَيَوَان خَبِيث يتنفر مِنْهُ الطَّبْع السَّلِيم فَيُقَال فِي مثل ذَلِك مسخ الله قردة وَخَنَازِير فَكَانَ فِي حَظِيرَة الْقُدس علم متمثل أَن بَين هَذَا النَّوْع من الْحَيَوَان وَبَين كَون الْإِنْسَان مغضوبا عَلَيْهِ بَعيدا من الرَّحْمَة مُنَاسبَة خُفْيَة وَأَن بَينه وَبَين الطَّبْع السَّلِيم الْبَاقِي على فطرته بونا بَائِنا فَلَا جرم أَن تنَاول هَذَا الْحَيَوَان وَجعله جُزْء بدنه أَشد من مخامرة النَّجَاسَات وَالْأَفْعَال المهيجة للغضب وَلذَلِك لم يزل تراجمة حَظِيرَة الْقُدس نوح فَمن بعده من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام يحرمُونَ الْخِنْزِير ويأمرون بالتبعد مِنْهُ إِلَى أَن يتنزل عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فيقتله، وَيُشبه أَن الْخِنْزِير كَانَ يَأْكُلهُ قوم فنطقت الشَّرَائِع بِالنَّهْي عَنهُ وهجر أمره أَشد مَا يكون، والقردة. والفأرة لم تكن تُؤْكَل قطّ فَكفى ذَلِك عَن التَّأْكِيد الشَّديد، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الضَّب. " إِن الله غضب على سبط من
بني إِسْرَائِيل فمسخهم دَوَاب يدبون فِي الأَرْض فَلَا أَدْرِي لَعَلَّ هَذَا مِنْهَا "، وَقَالَ الله تَعَالَى: {جعل مِنْهُم القردة والخنازير وَعبد الطاغوت} .
وَنَظِيره مَا ورد من كَرَاهِيَة الْمكْث بِأَرْض وَقع فِيهَا الْخَسْف أَو الْعَذَاب، وكراهية هيآت المغضوب عَلَيْهِم فَإِن مخامرة هَذِه الْأَشْيَاء لَيست أدنى من مخامرة النَّجَاسَات، والتلبس بهَا لَيْسَ أقل تَأْثِيرا من التَّلَبُّس بالهيآت الَّتِي يقتضيها مزاج الشَّيْطَان.
ويتلوه تنَاول حَيَوَان جبل على الْأَخْلَاق المضادة للأخلاق الْمَطْلُوبَة من الْإِنْسَان حَتَّى صَار كالمندفع إِلَيْهَا بضرورة، وَصَارَ يضْرب بِهِ الْمثل، وَصَارَت الطبائع السليمة تستخبثه وتأبى تنَاوله اللَّهُمَّ إِلَّا قوم لَا يعبأ بهم، وَالَّذِي تَكَامل فِيهِ هَذَا الْمَعْنى وَظهر ظهورا بَينا وانقاد لَهُ الْعَرَب والعجم جَمِيعًا أَشْيَاء:
مِنْهَا السبَاع المخلوقة على الخدش. وَالْجرْح. والصولة. وقسوة الْقلب، وَلذَلِك قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام فِي الذِّئْب: " أَو يَأْكُلهُ أحد "؟
وَمِنْهَا الْحَيَوَانَات المجبولة على إِيذَاء النَّاس والاختطاف مِنْهُم وانتهاز الفرص للإغارة عَلَيْهِم وَقبُول إلهام الشَّيَاطِين فِي ذَلِك كالغراب. والحديات. والوزغ. والذباب. والحية وَالْعَقْرَب وَنَحْو ذَلِك.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute