للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَمِنْهَا حيوانات جبلت على الصغار والهوان والتستر فِي الاخدود كالفأرة وخشاش الأَرْض.

وَمِنْهَا حيوانات تتعيش بالنجاسات أَو الجيفة ومخامرتها وتناولها حَتَّى امْتَلَأت أبدانها بالنتن.

وَمِنْهَا الْحمار فَإِنَّهُ يضْرب بِهِ الْمثل فِي الْحمق والهوان وَكَانَ كثير من أهل

الطبائع السليمة من الْعَرَب يحرمونه وَيُشبه الشَّيَاطِين، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

" إِذا سَمِعْتُمْ نهيق الْحمار فتعوذوا بِاللَّه من الشَّيْطَان فَإِنَّهُ رأى شَيْطَانا "

وَأَيْضًا قد اتّفق الْأَطِبَّاء أَن هَذِه الْحَيَوَانَات كلهَا مُخَالفَة لمزاج نوع الْإِنْسَان لَا يسوغ تنَاولهَا طِبًّا.

وَاعْلَم أَن هَهُنَا أمورا مُبْهمَة تحْتَاج إِلَى ضبط الْحُدُود وتمييز الْمُشكل.

مِنْهَا أَن الْمُشْركين كَانُوا يذبحون لطواغيتهم يَتَقَرَّبُون بِهِ إِلَيْهَا وَهَذَا نوع من الْإِشْرَاك فاقتضت الْحِكْمَة الالهية أَن ينْهَى عَن هَذَا الْإِشْرَاك، ثمَّ يُؤَكد التَّحْرِيم بِالنَّهْي عَن تنَاول مَا ذبح لَهَا ليَكُون كابحا عَن ذَلِك الْفِعْل، وَأَيْضًا فَإِن قبح الذّبْح يسري فِي الْمَذْبُوح لما ذكرنَا فِي الصَّدَقَة ثمَّ الْمَذْبُوح للطواغيت أَمر مُبْهَم ضبط بِمَا أهل لغير الله بِهِ، وَبِمَا ذبح على النصب، وَبِمَا ذبحه غير المتدين بِتَحْرِيم الذّبْح بِغَيْر اسْم الله وهم الْمُسلمُونَ وَأهل الْكتاب، وجر ذَلِك أَن يُوجب ذكر اسْم الله عِنْد الذّبْح لِأَنَّهُ لَا يتَحَقَّق الْفرْقَان بَين الْحَلَال وَالْحرَام بَادِي الرَّأْي إِلَّا عِنْد ذَلِك، وَأَيْضًا فَإِن الْحِكْمَة الالهية لما أَبَاحَتْ لَهُم الْحَيَوَانَات الَّتِي هِيَ مثلهم فِي الْحَيَاة وَجعل لَهُم الطول عَلَيْهِم أوجبت أَلا يغفلوا عَن هَذِه النِّعْمَة عِنْد إزهاق أرواحها، وَذَلِكَ أَن يذكرُوا اسْم الله عَلَيْهَا، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى. {لِيذكرُوا اسْم الله على مَا رزقهم من بَهِيمَة الْأَنْعَام} .

وَمِنْهَا أَن الْميتَة حرَام فِي جَمِيع الْملَل والنحل، أما الْملَل فاتفقت عَلَيْهَا لما تلقى من حَظِيرَة الْقُدس أَنَّهَا من الْخَبَائِث، وَأما النَّحْل فَلَمَّا أدركوا أَن كثيرا مِنْهَا يكون بِمَنْزِلَة السم من أجل انتشار أخلاط سميَّة تنَافِي المزاج الإنساني عِنْد النزع، ثمَّ لَا بُد من تَمْيِيز الْميتَة من غَيرهَا فضبط بِمَا قصد إزهاق روحه للْأَكْل فجر ذَلِك إِلَى تَحْرِيم المتردية والنطيحة وَمَا أكل السَّبع فَإِنَّهَا كلهَا خبائث مؤذية.

وَمِنْهَا أَن الْعَرَب وَالْيَهُود كَانُوا يذبحون وينحرون وَكَانَ الْمَجُوس يخنقون ويبعجون وَالذّبْح والنحر سنة الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام توارثوهما، وَفِيهِمَا مصَالح.

<<  <  ج: ص:  >  >>