للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النَّار شَيْئا، وَإِنَّمَا رغب فِي قَتله لمعنيين: أَحدهمَا أَن فِيهِ دفع مَا يُؤْذِي نوع الْإِنْسَان فَمثله كَمثل قطع أَشجَار السمُوم من الْبلدَانِ وَنَحْو ذَلِك مِمَّا فِيهِ جمع شملهم.

وَالثَّانِي أَن فِيهِ كسر جند الشَّيْطَان وَنقص وكر وسوسته، وَذَلِكَ مَحْبُوب عِنْد الله وَمَلَائِكَته المقربين، وَإِنَّمَا كَانَ الْقَتْل فِي أول ضَرْبَة أفضل من قَتله فِي الثَّانِيَة لما فِيهِ من الحذاقة والسرعة إِلَى الْخَيْر، وَالله أعلم.

قَالَ الله تَعَالَى:

{حرمت عَلَيْكُم الْميتَة وَالدَّم وَلحم الْخِنْزِير وَمَا أهل لغير الله بِهِ والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وَمَا أكل السَّبع إِلَّا مَا ذكيتم وَمَا ذبح عَن النصب وَأَن تستقسموا بالأزلام ذَلِكُم فسق} .

أَقُول: فالميتة وَالدَّم لِأَنَّهُمَا نجسان، وَالْخِنْزِير لِأَنَّهُ حَيَوَان مسخ بصورته قوم (وَمَا أهل لغير الله بِهِ) (وَمَا ذبح على النصب) يَعْنِي الْأَصْنَام قطعا لدابر الشّرك، وَلِأَن قبح الْفِعْل يسري فِي الْمَفْعُول بِهِ و (المنخنقة) وَهِي الَّتِي تخنق فتموت (والمتردية) وَهِي الَّتِي تقع من الْأَعْلَى إِلَى الْأَسْفَل (والنطيحة) وَهِي الَّتِي قتلت نطحا بالقرون (وَمَا أكل السَّبع) فَبَقيَ مِنْهُ لِأَنَّهُ ضبط الْمَذْبُوح الطّيب بِمَا قصد إزهاق الرّوح بِاسْتِعْمَال المحدد فِي حلقه أَو لبته فجر ذَلِك إِلَى تَحْرِيم هَذِه الْأَشْيَاء.

وَأَيْضًا فَإِن الدَّم المسفوح ينتشر فِيهِ ويتنجس جَمِيع الْبدن (إِلَّا مَا ذكيتم) أَي وجدتموه قد أُصِيب بِبَعْض هَذِه الْأَشْيَاء، وَفِيه حَيَاة مُسْتَقِرَّة فذبحتموه فَكَانَ إزهاق روحه بِالذبْحِ (وَأَن تستقسموا بالأزلام) أَي تَطْلُبُوا علم مَا قسم لكم من الْخَيْر وَالشَّر بِالْقداحِ الَّتِي كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يجيلونها، فِي أَحدهَا افْعَل، وَالثَّانِي لَا تفعل، وَالثَّالِث غفل فَإِن ذَلِك افتراء على الله واعتماد على جهل.

وَنهى رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن تصبر بَهِيمَة وَعَن أكل المصبورة أَقُول كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يصبرون الْبَهَائِم ويرمونها بِالنَّبلِ، وَفِي ذَلِك إيلام غير مُحْتَاج إِلَيْهِ وَلِأَنَّهُ لم يصر قربانا إِلَى الله وَلَا شكر بِهِ نعم الله.

قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

" إِن الله كتب الاحسان على كل شَيْء فَإِذا قتلتم فَأحْسنُوا القتلة وَإِذا ذبحتم فَأحْسنُوا الذبْحَة وليحد احدكم شفرته وليرح ذَبِيحَته ".

<<  <  ج: ص:  >  >>