وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لِأَن بلج: " إِن يلاج أحدكُم بِيَمِينِهِ فِي أَهله آثم لَهُ عِنْد الله من أَن يُعْطي كَفَّارَته الَّتِي افْترض الله عَلَيْهِ " أَقُول: كثيرا مَا يحلف الْإِنْسَان على شَيْء فيضيق على نَفسه وعَلى النَّاس وَلَيْسَت تِلْكَ من الْمصلحَة، وَإِنَّمَا شرعت الْكَفَّارَة منهية لما يجده الْمُكَلف على نَفسه.
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَمِينك على مَا يصدقك عَلَيْهِ صَاحبك " أَقُول: قد يحتال لاقتطاع مَال امْرِئ الْمُسلم بِأَن يتَأَوَّل فِي الْيَمين فَيَقُول مثلا وَالله لَيْسَ فِي يَدي من مَالك شَيْء يُرِيد لَيْسَ فِي يَدي شَيْء وَإِن كَانَ فِي تصرفي وقبضي، وَهَذَا مَحَله الظَّالِم.
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" من حلف فَقَالَ: إِن شَاءَ الله لم يَحْنَث ".
أَقُول: حِينَئِذٍ لم يتَحَقَّق عقد الْقلب وَلَا جزم النِّيَّة وَهُوَ الْمَعْنى فِي الْكَفَّارَة، قَالَ الله تَعَالَى:
{لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم وَلَكِن يُؤَاخِذكُم بِمَا عقدتم الْأَيْمَان فكفارته إطْعَام عشرَة مَسَاكِين من أَوسط مَا تطْعمُونَ أهليكم أَو كسوتهم أَو تَحْرِير رَقَبَة فَمن لم يجد فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام ذَلِك كَفَّارَة أَيْمَانكُم إِذا حلفتم} .
أَقُول: قد مر سر وجوب الْكَفَّارَة من قبل فراجع.
وَالنّذر على أَقسَام: النّذر الْمُبْهم، وَفِيه قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" كَفَّارَة النّذر إِن لم يسم كَفَّارَة الْيَمين ".
وَالنّذر الْمُبَاح، وَفِيه قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أوف بِنَذْرِك " بِلَا وجوب لما يَأْتِي من قصَّة أبي إِسْرَائِيل.
وَنذر طَاعَة فِي مَوضِع بِعَيْنِه أَو بهيئة بِعَينهَا، وَفِيه قصَّة أبي إِسْرَائِيل نذر أَن يقوم وَلَا يقْعد وَلَا يستظل وَلَا يتَكَلَّم ويصوم، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" مروه فَلْيَتَكَلَّمْ وليستظل وليقعد وليتم صَوْمه " وقصة من نذر أَن ينْحَر إبِلا ببوانة لَيْسَ بهَا وثن وَلَا عيد لأهل الْجَاهِلِيَّة. قَالَ:
" أوف بِنَذْرِك ".
وَنذر الْمعْصِيَة، وَفِيه قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" من نذر نذرا فِي مَعْصِيّة فكفارته كَفَّارَة يَمِين ".
وَنذر مُسْتَحِيل، وَفِيه قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" من نذر نذرا لَا يطيقه فكفارته كَفَّارَة يَمِين " وَالْأَصْل فِي هَذَا الْبَاب أَن الْكَفَّارَة شرعت منهية للاثم مزيلة لما حاك فِي صَدره فَمن نذر بِطَاعَة فَلْيفْعَل وَمن نذر غير ذَلِك وَوجد فِي صَدره حرجا وَجَبت الْكَفَّارَة، وَالله أعلم.