{إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين} .
وَقَالَ تَعَالَى:
{فَلَا تدعوا مَعَ الله أحدا} .
وَلَيْسَ المُرَاد من الدُّعَاء الْعِبَادَة كَمَا قَالَه الْمُفَسِّرُونَ، بل هُوَ الِاسْتِعَانَة لقَوْله تَعَالَى:
{بل إِيَّاه تدعون فَيكْشف مَا تدعون} .
وَمِنْهَا أَنهم كَانُوا يسمون بعض شركائهم بَنَات الله وَأَبْنَاء الله، فنهو عَن ذَلِك أَشد النَّهْي، وَقد شرحنا سره من قبل.
وَمِنْهَا أَنهم كَانُوا يتخذون أَحْبَارهم وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا من دون الله تَعَالَى بِمَعْنى أَنهم كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَن مَا أحله هَؤُلَاءِ حَلَال لَا بَأْس بِهِ فِي نفس الْأَمر وَأَن مَا حرمه هَؤُلَاءِ حرَام يؤاخذون بِهِ فِي نفس الْأَمر، وَلما نزل قَوْله تَعَالَى:
{اتَّخذُوا أَحْبَارهم وَرُهْبَانهمْ} . الْآيَة
سَأَلَ عدي بن حَاتِم رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن ذَلِك فَقَالَ: " كَانُوا يحلونَ لَهُم أَشْيَاء، فيستحلونها، ويحرمون عَلَيْهِم أَشْيَاء، فيحرمونها.
وسر ذَلِك أَن التَّحْلِيل وَالتَّحْرِيم عبارَة عَن تكوين نَافِذ فِي الملكوت أَن الشَّيْء الْفُلَانِيّ يُؤَاخذ بِهِ أَو لَا يُؤَاخذ بِهِ، فَيكون هَذَا التكوين سَببا للمؤاخذة وَتركهَا، وَهَذَا من صِفَات الله تَعَالَى، وَأما نِسْبَة التَّحْلِيل وَالتَّحْرِيم
إِلَى النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبمعنى أَن قَوْله أَمارَة قَطْعِيَّة لتحليل الله وتحريمه و، أما نسبتها إِلَى الْمُجْتَهدين من أمته فبمعنى روايتهم ذَلِك عَن الشَّرْع من نَص الشَّارِع أَو استنباط معنى من كَلَامه.
وَاعْلَم أَن الله تَعَالَى إِذا بعث رَسُولا وَثَبت رسَالَته بالمعجزة، وَأحل على لِسَانه بعض مَا كَانَ حَرَامًا عِنْدهم، وَوجد بعض النَّاس فِي نَفسه انجحاما عَنهُ، وَبَقِي فِي نَفسه ميل إِلَى حرمته لما وجد فِي مِلَّته من تَحْرِيمه فَهَذَا على وَجْهَيْن: إِن كَانَ لتردد فِي ثُبُوت هَذِه الشَّرِيعَة، فَهُوَ كَافِر بِالنَّبِيِّ، وَإِن كَانَ لاعتقاد وُقُوع التَّحْرِيم الأول تَحْرِيمًا لَا يحْتَمل النّسخ لأجل أَنه تبَارك وَتَعَالَى خلع على عبد خلعة الألوهية، أَو صَار فانيا فِي الله بَاقِيا بِهِ، فَصَارَ نَهْيه عَن فعل أَو كراهيته لَهُ مستوجبا لحرم فِي مَاله وَأَهله، فَذَلِك مُشْرك بِاللَّه تَعَالَى، مُثبت لغيره غَضبا وسخطا مقدسين وتحليلا وتحريما مقدسين.
وَمِنْهَا أَنهم كَانُوا يَتَقَرَّبُون إِلَى الْأَصْنَام والنجوم بِالذبْحِ لأجلهم، إِمَّا بالاهلال عِنْد الذَّبَائِح باسمائهم، وَأما بِالذبْحِ على الأنصاب الْمَخْصُوصَة لَهُم، فنهوا عَن ذَلِك،