للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإخبار من الشياطين بأن سبب ملك سليمان هو علمه بالسحر، قد تضمن معنى الكذب على سليمان، لذلك فقد عدّي فعل {تتلو} ، بـ {على} ، فيكون المعنى: واتبع اليهود - الذين أوتوا الكتاب من بعد إعراضهم عن كتاب الله الذي بأيديهم ومخالفتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما تتلوه الشياطين وتخبر به وتحدّثه كذبًا على ملك سليمان، وقد صدّقوا ذلك التقول، وعملوا بمقتضاه!! (١) ، وثَمَّ وجه آخر للتعبير بـ {على} ، وهو [أن العرب تضع «في» موضع «على» ، و «على» موضع «في» ، ومن ذلك قول الله جلّ ثناؤه: [طه: ٧١] {وَلأَُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} ، يعني به: على جذوع النخل. وكما قالوا: «فعلت كذا في عهد كذا، وعلى عهد كذا» بمعنى واحد] (٢) . فيكون المعنى واتبعوا ما تلته الشياطين كذبًا في عهد سليمان عليه السلام.

[أما ملك سليمان عليه السلام، فهو مما لا يبلغه بيان البشر، وقد ذكره الله تعالى بقوله: [سَبَإ: ١٢-١٣] {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ *يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ *} .

وبقوله سبحانه: [ص: ٣٤-٤٠] {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ *قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي لأَِحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ *فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ *وَالشَّيْاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ *وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ *هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ *وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ *} .


(١) انظر: تفسير ابن كثير (١/١٤١) ، وانظر كذلك: نور الإيمان في تفسير القرآن، للشيخ محمد مصطفى أبي العِلا رحمه الله ص١٤٦.
(٢) انظر: تفسير الطبري (١/٤٩٣) .

<<  <   >  >>