للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نعم، إن الملك الذي وهبه الله عز وجل لعبده سليمان عليه السلام قد فاق - بفضل الله - ما قد يطلبه طالب أو يطمح إليه طامح، ذلك أنه من عطاء الله الذي لا ينفد، وقد ذكرَتِ الآياتُ الكريمات التي أوردتها صنوفًا من هذا العطاء، وهي:

(أ) ... تسخير الريح له، وذلك أنه عليه السلام لما عقر الخيل غضبًا لله عز وجل، عوّضه الله ما هو خير منها وأسرع: الريح اللينة تحمل بساطه يغدو عليه حيث أراد من مكان كدمشق مثلاً، إلى آخرَ يتغدّى به، كإصطخر (١) مثلاً - وهي تبعد عن دمشق شهرًا كاملاً للمسرع على دابته، كل ذلك في الغداة صباحًا، أما في الرواح مساءً فقد يروح عليه السلام ببساطه من إصطخر مثلاً إلى كابُل - المعروفة اليوم - وبين إصطخر وكابل شهر كامل للمسرع، كلُّ ذلك في المساء.

(ب) ... تملُّك عينٍ تسيل بالنحاس، وهي باليمن، وقد أجراها الله لسليمان عليه السلام ثلاثة أيام، فكل ما يصنع الناس، من النحاس - إلى يومنا هذا - هو مما أخرج الله تعالى لعبده سليمان عليه السلام (٢) .

(ج) ... تسخير الجن له - مقهورين منقادين إليه - يعملون بين يديه بقَدَر الله، فيأمرهم سليمان بما شاء من عمل أبنيةٍ حسنة، كالمساجد والقصور والمساكن، وكذلك الصُّوَر من نحاس أو من طين أو زجاج، ويصنعون له أحواضًا عظيمة الاتساع كالجَوْبة من


(١) إِصْطَخْر: بلدة من أقدم مدن فارس وأشهرها، بها مسجد يعرف بمسجد سليمان عليه السلام، وبين إصطخر وشيراز - المعروفة اليوم - اثنا عشر فرسخًا، أي ما يقارب ٦٦.٥ كلم، وكان فتح إصطخر الأخير سنة ثمان وعشرين وسط خلافة عثمان رضي الله عنه. انظر: معجم البلدان لياقوت الحَمَوي (١/٢٥٠) . والروض المعطار للحِمْيري ص ٤٤.
(٢) هذا مروي عن ابن عباس وقتادة والسُّدِّي وغيرهم. انظر: تفسير الطبري (٢٠/٣٦٣-٣٦٤) ، و «الدر المنثور» للسيوطي (١/٦٧٨) .

<<  <   >  >>