ويدخل فيها "العلم" في العلوم الطبيعية والكونية، الذي يهدف إلى الوصول إلى معرفة آيات الله وقوانينه بالملاحظة والتجربة والتطبيق من أجل إعمار الحياة وفق منهج الله.
إذن فالعلم وسيلة من وسائل التربية، وإذا كان ذلك كذلك، فإن من السفاهة المزرية جعل العلم أو العقل مصدرا للمعرفة، فالمصدر هو الله، ومن الجهل القول بأن العلم قد انتصر على الطبيعة أو قهرها، فالعلم ما هو إلا الوصول إلى القانون الطبيعي الذي طبع الله الكون عليه، والطبيعة ما خلقها الله لتقهر، بل لتكون في خدمة الإنسان، والإنسان لا يستطيع أن يقهرها، ولكنه يستطيع أن يتلطف معها بالتعرف على قوانين الله فيها، واستثمار ذلك في عمارة الأرض، وترقية الحياة على ظهرها وفق منهج الله، وهذه مهمة المناهج التربوية.
والتربية "فن"، وعندما نتكلم عن التربية كفن، فإننا لسنا بإزاء مجرد الإخبار عن واقع، أو الكشف عن حقيقة، ولسنا بإزاء مجرد تحقيق أهداف عملية لسد حاجتنا الإنسانية، وإنما نحن أيضا أمام تحقيق أهداف تتصل بتحسين الحياة وترقيتها وتجميلها كما يقول الإمام الشاطبي، فالفن تعبير موح هادف عن تجارب إنسانية منبثقة عن التصور الإيمان للكون والإنسان والحياة، فهو ذو أثر يمتع أنفسنا ويغني حياتنا، ويزيح عنا آثار البلادة والرتابة التي تصيبنا نتيجة اتصالنا الدائم بقبضة الطين التي هي جزء من طبيعتنا.
والتربية كفن، تهدف إلى الوصول بالمربي إلى درجة الإتقان أو الإحسان في الأداء، فقيمة كل إنسان بما يحسن، والوصول بالإنسان إلى درجة أن يكون محسنا، هو أعلى درجات الفن، وأرقى ما يهدف إليه العمل التربوي.
والتربية "صناعة"، فقد عقد ابن خلدون فصلا في "مقدمته" بعنوان: "فصل في أن التعليم للعلم من جملة الصنائع"، فالتربية عملية ذات قواعد وأصول، وهي تسير وفق منهج لتحقيق أهداف معينة، والتربية -بهذا المعنى- مهة أو صناعة تهدف إلى إقدار المتعلم على عمل معين، بحيث يتناوله بالتغيير والتعديل والتطوير والمعالجة ليصير على شكل معين.
وبهذا المعنى تكلم ابن خلدون عن التعليم باعتباره صناعة أو مهنة ذات مهمة عملية لها أصولها وقواعدها المحكمة التي تتحقق بمراعاتها أهداف المجتمع الإنساني ومقاصده.
بين التربية والتعليم:
إذن "فالتربية" -كما سبق أن رأينا- هي عملية تهدف إلى إيصال المربي إلى درجة الكمال التي هيأه الله لها، فهي تشمل جميع جوانب النفس الإنسانية، أي: