للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البلاط العباسي، ومن المحقق أن الثور العباسية لم تكن ثورة على العروبة من حيث هي عروبة؛ وإنما كانت ثورة على الأسرة العربية الحاكمة التي لم تكن تعترف بمبدأ المساواة بين جميع المسلمين عربًا وغير عرب في الحقوق، خارجةً بذلك على نظرية الإسلام التي تنص على هدم العصبية القبلية والجنسية في مثل قوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} و {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} وقول رسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم- في خطبة حجة الوداع: "لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى" وقوله: "المؤمنون إخوة تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم ". وكان عليٌّ وسابقوه من الخلفاء الراشدين يأخذون بهذه النظرية المثالية، فلما انتهت مقاليد الحكم إلى بني أمية أخذ كثير من العرب يشعرون بالتفوق على الأعاجم الذين غلبوهم. وتملكهم الإحساس بالسيادة، فنظروا إلى غيرهم من الأمم نظرة السيد إلى المسود، وتبلور هذا الإحساس في الدولة وحكامها فلم يسووا بين الموالي المسلمين والعرب في الخراج وأرهقوهم بالضرائب، سوى ما كان من عمر بن عبد العزيز؛ إلا أن قصر عهده لم يتح الفرصة كاملة ليقف الموالي مع العرب على قدم المساواة، وسرعان ما أُسْدلت على سياسته الرشيدة ستور النسيان.

وأخذت هذه المشكلة المساواة بين الموالي المسلمين والعرب تتبلور في سرعة، ومن غير شك كانت أهم سبب في اعتناقهم للتشيع، فإن عليًّا حين اتخذ الكوفة حاضرة لخلافته كان يسوِّى بينهم وبين العرب في الحقوق، فلما قُتل وأخذ الأمويون يقسون عليهم في المعاملة كانوا يذكرون أيامه ويبكون عهده ويتمنون أن لو رُدَّ الحكم إلى أحد أبنائه، لعله يعيد الأمر إلى نصابه، حتى إذا نظم العباسيون الدعوة لهم في خراسان انضموا إليها أفرادًا وجماعات، وكونوا هذا الجيش الضخم الذي قضى قضاءً مبرمًا على الدولة الأموية وجيوشها العربية. ومعنى ذلك أن الثورة العباسية الأعجمية لم تكن ثورة على العروبة من حيث هي، وإنما كانت ثورة من أجل تطبيق نظرية الإسلام في المساواة بين العرب والموالي؛ غير أن الظروف أدت إلى أن يكون الفرس في جانب العرب وفي جانب

<<  <   >  >>