للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخير أن يقدِّم لهذا المصير العملَ الصالح، قبل أن تفيض روحه وينكشف عنه الغطاء. ونراه يكثر في أثناء ذلك من الابتهالات ومن الدعاء، منقبضًا عن الدنيا وملاذها وكل ما فيها من متاع؛ بل إنه ليقبِّح هذا المتاع وما يُطْوَى فيه من نعيم حتى ليقول١:

رغيفُ خُبْزٍ يَابِسٍ ... تأكله في زاويَهْ

وكوز ماء باردٍ ... تشربه من صافيهْ

وغرفةٌ ضيِّقَةٌ ... نفسُك فيها خاليهْ

خيرٌ من الساعات في ... ظلِّ القصور العاليهْ

وكان يتَّهم بالزندقة وأن هذه الألحان يستمدها منها على نحو ما استمدها قبله صالح بن عبد القدوس. وكان وراءه ووراء صالح كثيرون زهدوا زهدًا إسلاميًّا خالصًا، ومن ثم لم يتهموا في زهدهم؛ لأنهم صدروا فيه عن عقيدة صحيحة مثل أبي محمد اليزيدي، وله أشعار كثيرة في الموعظة والحكمة،٢ من مثل قوله٣:

إذا نكبات الدهر لم تعظِ الفتى ... وأفزع منها لم تعظه عواذله

ومن لم يؤدبه أبوه وأمه ... تؤدبه روعات الرَّدَى وزلازله

فدع عنك ما لا تستطيع ولا تُطِع ... هواك ولا يغلب بحقك باطله

وممن كانوا يكثرون من أشعار الزهد محمود الوراق، وأكثر أشعاره أمثال وحكم ومواعظ وأدب٤ على شاكلة قوله٥:

بكيت لقرب الأجل ... وبعد فوات الأمل

ووافد شيب طَرَا ... بعَقْب شبابٍ رَحَلْ

شبابٌ كأن لم يكن ... وشيبٌ كأن لم يزل


١ الديوان ص٣٠٤.
٢ طبقات الشعراء لابن المعتز ص٢٧٥.
٣ معجم الأدباء لياقوت "طبعة مصر" ٢٠/ ٣٢.
٤ ابن المعتز ص٣٦٨.
٥ انظر في هذه القطعة وتاليتها البيان والتبيين ٣/ ١٩٨، وقارن بزهر الآداب ١/ ٨٩، وعيون الأخبار ٢/ ٣٢٦.

<<  <   >  >>