الكريم؛ فكان الخروج عليها يعد مروقًا من الإسلام ومحاولة لنقضه، وبذلك ظلت العربية شامخة في هذا المحيط الأعجمي حتى بين الزنادقة وأنصار الشعوبية؛ فإنهم لم يستطيعوا غضًّا منها، بل ظلوا يتخذونها هم ومن حَسُن إسلامهم مَثَلَهم اللغوي والأدبي الرفيع.
وليس معنى هذا أن ما لاحظناه في العصر الأموي من دخول الكلمات الأجنبية إلى الشعر العربي انحسرت ظلاله، أو أن ضعف السليقة اللغوية انتهت آفاته، أو أن اللكنات الأجنبية انحازت لثغاتها عن الألسنة؛ فقد استمر ذلك كله بصورة أوسع من الصورة الأموية، لسبب بسيط، وهو أن أغلب الشعراء كانوا أجانب؛ فكان فيهم النبطي مثل أبي العتاهية والسِّندي مثل هارون مولى الأزد وأبي عطاء. أما الفرس فلا نستطيع إحصاءهم، وكان منهم بشار بن برد وأبان بن عبد الحميد وسلم الخاسر ومروان بن أبي حفصة وأبو يعقوب الخريمي ومسلم بن الوليد وغيرهم كثير.
ولعل شيئًا لم يسترع الجاحظ في عصره كما استرعته اللكنات وما كانت تسبّبه من لثغات، وقد أفاض في وصف هذه اللثغات أوائلَ كتابه البيان والتبيين؛ فقال إنه كان هناك من يبدل الراء غينًا واللام ياء والزاي والثاء والشين سينًا والعين همزة والقاف كافًا والذل دالًا والجيم زايًا أو ذالًا. ويقول إن ذلك كله مصدره أن يدخل الرجل بعض حروف العجم في حروف العرب ويقول: إن واصل بن عطاء كان لا يستطيع أن ينطق الراء؛ فأخلى كلامه منه. ويزعم أن من أصوات اللغات الأجنبية ما لا يستطيع الخط العربي تصويره كلهجة خوزستان، ويقول:"قد يتكلم المغلاق الذي نشأ في سواد الكوفة العربية المعروفة ويكون لفظه متخيَّرًا فاخرًا ومعناه شريف كريمًا ويعلم مع ذلك السامع لكلامه ومخارج حروفه أنه نبطيّ، وكذلك إذ تكلم الخراساني على هذه الصفة فإنك تعلم -مع إعرابه وتخير ألفاظه في مخرج كلامه- أنه خراساني، وكذلك إن كان من كتَّاب الأهواز١" ولا بد أن أشياء من ذلك تؤثر في لهجات بعض