للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشعراء على نحو ما روي ذلك عن أبي عطاء السندي؛ إذ كان لا يكاد يفصح لارتضاخه لُكْنَةَ قومه من السند؛ حتى كان كلامه إذا نطق به لا يكاد يفهم وذلك أنه كان ينطق الحاء هاء والعين همزة والصاد سينًا والجيم زايًا ويرقق الظاء حتى تشبه الزاي١؛ مما اضطره إلى اتخاذ غلام ينشد شعره٢:

وأهم من ذلك أنهم أدخلوا في أشعارهم بعض ألفاظ من لغاتهم الأصلية، وحقًّا لم يتسع هذا الصنيع؛ ولكنا نجد عندهم أمثلة كثيرة لكلمات نبطية وفارسية كانوا يدخلونها في بعض ما ينظمون، من ذلك قول إبراهيم الموصلي يصف وداعه لخمَّار نبطي:

فقال: إزْل بِشين حين ودعني ... وَقَدْ لعَمْرُكَ زُلْنَا عنه بالشِّيْنِ

وإزل بشين: كلمة سريانية معناها امض بسلام٣. ويقول إسحاق الموصلي في قصيدة له يذكر مجالس لهوه مع إسحاق بن إبراهيم المصعبي، وقد فرقت بينهما الأيام:

فيا ليت شعري هل أروحنَّ مرة ... إليه فيلقاني كما كان يلقاني

وهل أسمعنْ ذاك المزاح الذي به ... إذا جئته سلَّيْتُ همي وأحزاني

إذا قال لي: "يا مردمي خر" وكرها ... عليّ وكناني مزاحًا بصفوان

و"مردي خر" كلمة فارسية تفسيرها: يا رجل اشرب النبيذ٤. ويقول والبة بن الحباب٥:

قد قابلتنا الكئوس ... ودابرتنا النحوس

واليوم هرمزد روزٍ ... قد عظَّمتْه المجوس

وهرمزد تعريب لأهورامزد إله النور عند الفرس، وروز معناها بالفارسية يوم، يقول: إن اليوم يوم هذا الإله وعيده، فلنطرب ونشرب. ولعل شاعرًا لم يكثر في شعره من الألفاظ الفارسية كما أكثر أبو نواس، وخاصة حين يتعابث مع


١ أغاني "طبعة الساسي" ١٦/ ٨٠، ٨٤، والشعر والشعراء ص٤٨٢.
٢ أغاني ١٦/ ٧٩، ٨٣.
٣ أغاني "طبعة دار الكتب" ٥/ ١٧٦.
٤ أغاني ٥/ ٣٣٧.
٥ طبقات الشعراء لابن المعتز ص٨٨.

<<  <   >  >>