للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من يَلْقَه من بطل مُسْرَنْدِ ... في زَعْفَةٍ محكمةٍ بالسَّرْدِ١

تجول بين رأسه والكرد

والكرد: العنق بالفارسية. ومنها يقول أيضًا:

لما هوى بين غياض الأسد ... وصار في كف الهِزَبْرِ الوَرْدِ٢

آلى يذوق الدهر آب سرد

وآب سرد: الماء البارد بالفارسية. يقول الجاحظ: ومثل هذا موجود في شعر أبي العذافر الكندي وغيره.. وأسود بن أبي كريمة، ويسوق له قوله:

لزم الغُرَّامُ ثوبي ... بُكْرَةً في يوم سَبْتِ

فتمَايلتُ عليهم ... مثل زنجي بمَسْتِ

قد حسا الدَّاذيّ صرفًا ... أو عقارًا با يِخَسْتِ٣

والمست: السكر وإدمان الشراب، والداذي: ضرب من الشراب، والعقار: الخمر، وبا يخست: موطوءة بالأقدام. وتستمر المقطوعة على هذا النحو تختلط فيها الألفاظ العربية بالفارسية.

ومن غير شك كان دخول هذه الكلمات الأعجمية في الشعر العباسي أوسع منه في الشعر الأموي؛ غير أن ذلك ظل في حدود ضيقة، وظل الشعراء يصنعونه على سبيل التظرف والتملح. وإذا كنّا لاحظنا قبلًا أن الكميت والطّرمّاح نقصتهما السليقة اللغوية فمن المحقق أن جمهور الشعراء في هذا العصر كانت تنقصه تلك السليقه مما هَيَّأ لظهور اللحن والخروج أحيانًا على القياس الصرفي. وكان علماء اللغة لهم بالمرصاد؛ فكلما انحرفوا دلوه على انحرافهم، ويفيض كتاب الموشح للمرزباني فيأخذ هؤلاء العلماء عليهم، وكانوا يرهبونهم رهبة شديدة، حتى كان فريق منهم يعرض عليهم أشعاره قبل إذاعتها٤. وكان


١ مسرند: يظفر بعدوه ويعلو عليه، زعفة: درع سابغة، السرد: سمر الزرد.
٢ الهزبر: الأسد، والورد: القوي الجريء.
٣ البيان والتبيين ١/ ١٤١ وما بعدها.
٤ الأغاني "طبعة دار الكتب" ١٠/ ٨١، ٨٢ وانظر "طبعة الساسي" ١٣/ ٢٢، ١٧/ ١٦.

<<  <   >  >>