للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يديه١، ومما ترجم في عصره كتاب المجسطي في الجغرافيا لبطليموس الإسكندري.

ونشط البرامكة في تشجيع هذه الحركة؛ سواء عن لغتهم الفارسية أو عن اللغات الأخرى، ويقال: إن يحيى بن خالد جلب مجموعة من أطباء الهند وأمرهم بنقل بعض كتب قومهم في الطب٢، ودخل من ثقافة الهند كثير من الأفكار إلى محيط العربية من ذلك صحيفة في البلاغة يحتفظ به الجاحظ في بيانه٣، وأيضًا فقد خلت بعض مذاهبهم الدهرية مثل السُّمَنِيَّة٤، كما دخل كثير من حكمهم ومن تأملاتهم الزاهدة المتصوفة، مما كان له أثره في الصوفية الإسلامية.

وكلما مضينا في العصر وجدنا موجة هذه الترجمة تزداد حدة؛ فقد شجع المأمون عليها تشجيعًا واسعًا وأرسل في طلب الكتب من بلاد الروم، وجعل خزانة الحكمة مجمعًا لطائفة من كبار المترجمين أمثال سهل بن هارون ومحمد بن موسي الخوارزمي وسلم ويحيى بن منصور وبني شاكر: محمد وأحمد والحسن، وعهد بإدارة الترجمة إلى حنين بن إسحاق، ولم يلبث الكندي فيلسوف العرب الأول أن ظهر ثمرة لكل هذه الحركة المباركة.

ومن المؤكد أن المسألة كانت أوسع من تلك الأخبار التي تساق لنا عن الخلفاء واهتمامهم بالترجمة؛ فقد كان هذا الاهتمام عامًّا بين أفراد المجتمعات في البصرة والكوفة وبغداد، بدليل أننا نجد العلوم الإسلامية توضع قواعدها وأصولها في هذا العصر وضعًا يدل على أن أصحابها كانوا يقفون على أساليب البحث عند اليونان وغيرهم. ويكفي أن نشير هنا إلى علم الكلام والموضوعات التي أثارها المتكلمون؛ مما حكاه لنا الجاحظ في كتابه الحيوان عن أبي الهذيل العلاف والنظَّام وأضرابهما؛ فإننا نرى أمامنا عقولًا كبيرة، اطلعت اطّلاعًا واسعًا على علوم الأوائل، واستطاعت أن تنفذ منها إلى فكر عربي متوهج بالثقافات المنقولة.


١ أخبار الحكماء للقفطي "طبع مطبعة السعادة" ص٢٤٨ وما بعدها، وانظر طبقات الأطباء والحكماء لابن جلجل "طبعة المعهد العلمي الفرنسي بالقاهرة" ص٦٥.
٢ البيان والتبيين ١/ ٩٢.
٣ البيان والتبيين ١/ ٩٢.
٤ أغاني ٣/ ١٤٧.

<<  <   >  >>