تُخُيِّرَتْ والنجومُ وُقْفٌ ... لم يتمكن بها المدارُ
وهو يشير بذلك إلى بعض ما نقل عنهم من أن:"الخمر تخيرت حين خلق الله الفلك، وأصحاب الحساب يذكرون أن الله تعالى حين خلق النجوم جعلها مجتمعة واقعة في برج، ثم سيَّرها من هناك، وأنها لا تزال جارية حتى تجتمع في ذلك البرج الذي ابتدأها منه، وإذا عادت إليه قامت القيامة وبطل العالم.
والهند تقول إنه في زمان نوح اجتمعت في الحوت إلا يسيرًا منها فهلك الخلق بالطوفان، وبقي منهم بقدر ما بقي منها خارجًا عن الحوت١" وربما كان أهم ما أثرت به الهند في المجال الشعري العام ما انتشر في كتاب كليلة ودمنة من حكم، وقد نقل هذا الكتاب إلى العربية ابن المقفع ثم نظمه أبان بن عبد الحميد للبرامكة شعرًا، ويحتفظ كتاب الأوراق للصولي بقطع طويلة من هذا النظم الذي يستهله بقوله:
هذا كتاب أدب ومحنه ... وهو الذي يدعي كليلة دمنه
فيه دلالات وفيه رشد ... وهو كتاب وضعته الهند
فوصفوا آداب كل عالم ... حكاية عن ألسن البهائم
وإذا تركنا الثقافتين الهندية والفارسية إلى الثقافة اليونانية وجدنا علاقتها بالشعر والشعراء تفوق علاقتي تلك الثقافتين، وحقًّا أنهم لم يعرفوا شيئًا عن الشعر اليوناني؛ إذ اقتصرت معرفتهم بالثقافة اليونانية على الفلسفة والمنطق، ولكن هذه المعرفة أفادوا منها فوائد جُلّي؛ فقد دعم المنطق تفكيرهم ووسعت الفلسفة دوائره، فانصبغ عقل الشعراء بأصباغ من العمق والدقة والتحليل وطرافة التقسيم والبعد في الخيال والتجريد فيه وكان المتكلمون أهم من أذاع هذه الثقافة في محيط الشعر والشعراء؛ إذ كانوا يتأثرون بها تأثرًا واسعًا في جدالهم وأساليب استدلالهم، فأكبوا عليها يقرءونها، وينقلون مصطلحاتها، ويفسرون معانيها من مثل الطفرة.