للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والحركة والسكون والتولد والكمون والجوهر والعرض والجوهر الفرد. وكان كثير من الشعراء يستمع إليهم؛ بل لقد وُسِمَ غير شاعر بالكلام والاعتزال، وأنه يستمد منها في موازنة الشيء بالشيء وفي الجدل والمغالطة، كما يستمد منهما في استنباط المعاني الخفية والأفكار الدقيقة، وقد بدأ بشار حياته متصلًا بالمتكلمين وبالمعتزلة منهم خاصة؛ إذ كان يصحب واصل بن عطاء١ وما زال قريبًا منه، حتى أظهر ثنويته وزندقته، ففسد ما بينهما ونادى واصل في الناس أن يقتلوه؛ ففرَّ في البصرة، وذهب يعلن أنه لا يؤمن بواصل ومذهبه في القدر؛ إنما يؤمن بالجبر وأن حرية الإنسان معطلة في الحياة، يقول:

طُبِعَت على ما فِيّ غير مخيَّرٍ ... هوايَ ولو خُيِّرتُ كنت المهذَّبا

أريد فلا أعطَى وأعطى ولم أرد ... وقصَّر علمي أن أنال المغيَّبا

فأصْرَفُ عن قصدي وعلمي مقصِّرٌ ... وأمسي وما أعقبت إلا التعجبا

وكان يكثر من الحجاج والجدال في ذلك ويقول: ما أومن إلا بالحِسِّ وما عاينته٢. وتحول بهذا الجدال وما يطوى فيه من قدرة على الاستدلال إلى شعره ومعانيه؛ فكان يكثر فيه من استنباط الأدلة وحشد البراهين على شاكلة قوله٣:

إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن ... برأي نصيح أو نصيحة حازم

ولا تجعل الشورى عليك غضاضة ... فإن الحوافي قوة للقوادم٤

وما خير كف أمسك الغُلُّ أختها ... وما خير سيفٍ لم يؤيد بقائم٥

وقوله٦:

إذا كنت في كل الأمور معاتبًا ... صديقَك لم تلقَ الذي لا تعاتبه


١ انظر الأغاني ٣/ ١٥٢.
٢ أغاني ٣/ ٢٢٧.
٣ أغاني ٣/ ١٥٧.
٤ القوادم: الريش في أعلى الجناح، والخوافي: الريش الصغير الذي يخفى حين يضم الطائر جناحية.
٥ الغل: الحديدة التي تجمع بين يد الأسير وعنقه، وقائم السيف: مقبضه.
٦ أغاني ٣/ ١٩٧.

<<  <   >  >>