للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما أدخلوا كثيرًا من أحاسيسهم النفسية الباطنة على شاكلة مرثية أبي العتاهية لأحد أصدقائه المسمى علي بن ثابت، وفيه يقول١:

وقد كنت أغدو إلى قصره ... فقد صرت أغدو إلى قبره

أخٌ طالما سرَّني ذكره ... فقد صر أشجى لدى ذكره

فتى لم يملّ النّدَى ساعة ... على عسره كان أو يسره

فصار عليٌّ إلى ربه ... وكان عليٌّ فتى دهره

أتته المنية مغتالة ... رويدًا تخلل من ستره

فلم تغن أجناده حوله ... ولا المسرعون إلى نصره

وخَلَّى القصور إلى شادها ... وحلَّ من القبر في قعره

أشدُّ الجماعة وَجْدًا به ... أشد الجماعة في طَمْرِه

وتحولوا بالهجاء من نقائضه الطويلة المعروفة عند جرير والفرزدق التي تزخر بالأنساب والأيام إلى ضرب قصير يشبه الأمثال الفارسية التي تنسب إلى بزرجمهر وأضرابه؛ فأصبح كلمات قليلة حادة، تشبه السهام السريعة النافذة، وكل شاعر يبحث عن سهم مُصْمٍ يرسله إلى خصمه يريد ألا يُبْقي عليه ولا يذر، ولعل ذلك ما جعلهم يعمدون فيه إلى القذف في الأعراض والرمي بالزندقة والإلحاد، حتى بين الزنادقة أنفسهم، مثل بشار وحماد عجرد، وقد استطار الهجاء بينهما، وفي بشار يقول حماد٢:

نهاره أخبث من ليله ... ويومه أخبث من أمسه

وليس بالمقلع عن غَيِّه ... حتى يُوَارَى في ثرى رمسه

وكان يكثر من هجائه بالعمى على شاكلة قوله٣:

ويا أقبح من قرد ... إذا ما عمي القرد

ويغضب بشار ويثور، فيرميه بالزندقة وعبادة إلهي النور والظلمة على شاكلة قوله٤:

يا ابن نهيا رأس عليَّ ثقيلُ ... واحتمال الرأسين خطبٌ جليلُ


١ ديوان أبي العتاهية ص١٢٤.
٢ أغاني "طبعة الساسي" ١٣/ ٧٤.
٣ طبقات الشعراء ص٦٧.
٤ أمال المرتضى ١/ ١٣٣.

<<  <   >  >>